السنة السادسة / العدد السابع عشر/ حزيران 2010 - رجب 1431هـ

       رجوع     أرشيف المجلة     الرئيسية

 

الفصل الرابع :

استقلال أسباب النزول .. بين مدرستين

الشيخ حسن حيدر

تمهيد: نحو استقلال أسباب النزول

مع انقضاء عصر التابعين، وعقب فترة حضور الأئمّة (عليهم السلام)، انتهت مرحلة من مراحل أسباب النزول، وهي مرحلة ازدهارها ورواجها في المجتمع الإسلاميّ([1])، ولكنَّ باب التوسّع فيها لم يُقفل عند هذه المرحلة، إذ عرفت أسباب النزول تطوّرًا هامًّا حوّلها إلى علم مستقلّ له مبادئه وخصائصه بعد فترة من عمر الزمن، أدّت إلى ما نحن عليه في يومنا هذا، حيث نتناولها في كتب مخصوصةٍ وبحوث متعدّدة..

ففي الفترة اللاحقة للتابعين وعصر الحضور، شهد المجتمع الإسلاميّ ازدهارًا في عالم التأليف وبدأت مرحلة هيكلة العلوم والأبواب الإسلاميّة.. لم تكن أسباب النزول بمنأى عن هذا الازدهار، حيث تبدّت معالم محدّدة لأسباب النزول، وظهر أنّ ثمة اتجاهًا لتستقلّ بباب خاصّ؛ له معالمه المحدّدة التي تميّزه عن بقيّة الروايات والآراء في التفسير.

كان هذا الاتجاه العامّ والرسميّ لدى المسلمين، أو قل لدى أهل السنّة، في المقابل برزت علامات استفهام حول دور علماء ومفسّري مدرسة أهل البيت وإسهاماتهم في هذا الموضوع؟! فضلاً عن تساؤلات كثيرة حول مدى مواكبتهم للتطورات فيه؟! ممّا حدا مجمل الباحثين المعاصرين إلى التسليم بالتقصير في هذا المجال، فمنهم من قام بتقليد علماء العامّة في هذا المجال، فيما وجّه باحثون آخرون الدعوة إلى العمل حاليًّا لرسم معالم هذا العلم واستقلاله في هذه المدرسة.

وفي هذا المقال سنرقب أولى مراحل استقرار باب النزول فالاستقلال، ثمّ نرى لاحقًا كيفيّة تعامل المدرستين مع هذا الموضوع، وذلك من خلال مسرد تاريخيّ يتابع أسباب النزول في الفترة التي تلت التابعين، والتي انتشرت فيها التفاسير.. فكيف تعامل العلماء مع أسباب النزول في هذه الفترة؟!

القسم الأوّل: استقرار أسباب النزول واستقلالها

أوّل الغيث (تفسير الطبريّ)

اختلف الباحثون في تحديد بدايات استقرار علم أسباب النزول؛ فبين من يرى أنّ التصنيفات الخاصّة بهذا الباب قد شرعت في القرن الثالث الهجريّ، وذلك مع كتاب التنزيل للمديني، وكتاب التنزيل للعيّاشي، وبين آخرين يرَون أنّه: "بعد أن كان [علم أسباب النزول] طيلة أكثر من قرن مندرجًا في أدبيّات التفسير القرآنيّ، انفصل عنها بدءًا من القرن الخامس، (...)، وقد جاء هذا الاستقلال متأخّرًا في الزمان مقارنةً بسائر علوم القرآن"([2]).

وبحسب ما توصّلنا إليه من خلال التتبّع التاريخيّ، فإنّ مبدأ استقلال أسباب النزول لم يظهر قبل القرن الخامس، ونقطة الانطلاق في استقلال هذا العلم كانت من خلال كتب التفاسير،حيث بدا ذلك كمفردات تسلّلت إلى كتب التفسير، يجمعها عنوان معيّن في أوّل الأمر، ثمّ تطوّرت لتكون في تصنيفات مختصّة ومستقلّة([3])، لتلج بحوث علوم القرآن فيما بعد وتستقرّ كباب ثابت ضمن أبوابه.

أمّا أوّل من فتح النافذة أمام أسباب النزول لتنتظم في باب مستقلّ، فهو الطبريّ في تفسيره، حيث أورد ما أمكن من أسباب نزولٍ مرتبطة بالآيات القرآنيّة، وخصّها بصيغ مختصّة بها، فتحت هذا الباب على مصراعيه.

فقد كانت أحاديث أسباب النزول قبل الطبريّ تُدرج في التفاسير -خاصّة التفاسير بالمأثور-مع بقيّة الروايات من غير أيّ إشارة تذكر، فعلى سبيل المثال يُعرف تفسير يحيى بن سلام (200هـ) بأنّه من التفاسير التي راجت فيها أسباب النزول بشكل كبير، إلا أنّه، رغم اعتماده الكبير على الأسباب، "تارةً يفسّر الآية بالسبب مع ذكر السند في أوّل الرواية، (...)، وتارة يورد سبب النزول في آخر الآية، (...)، وقد يذكر سبب نزول الآية دون إسناد ويكتفي بقوله "بلغنا"، (...)، ويجمع أحيانًا بين التفسير وأسباب النزول"([4])، وفي جميع الأحوال فإنّه يورد الأسباب مثلها مثل الأحاديث الأخرى التي تُنقل في هذا الكتاب، فلا تختلف الأسباب عن بقيّة روايات التفسير التي ترد في هذا الكتاب.. وهذا بخلاف العمل الذي قام به الطبري، حيث ميّز أسباب النزول بصيغ وعناوين خاصّة ترد تحتها، لتكون متفاوتة عن بقيّة روايات التفسير، بعد أن أشار إليها في مقدّمة تفسيره، فكانت هذه نقطة الانطلاق!

على أنّه لا بدّ من تسجيل عدّة ملاحظات ضمن هذا الإطار:

1- يلفتنا في تفسير الطبريّ تناوب صيغ وعناوين متعدّدة لأسباب النزول؛ فتارةً ترد تحت صيغة تعتمد مفردتي: "السبب" و"النزول"، من قبيل ما ورد تحت صيغ: "السبب الذي من أجله نزلت أو أنزل الله تعالى هذه الآية"([5])، أو "في السبب الذي أنزل أو نزل أو نزلت فيه"([6])، أو "نزلت أو أنزلت الآية في سبب"([7]).

وأخرى يورد الأسباب تحت صيغة لا تشتمل على أكثر من مفردة "سبب"([8]).

وثالثةً يكتفي بمفردة "النزول": إمّا تحت عبارة: "نزول الآية في"([9])، وإمّا بعد صيغة: "نزلت في كذا"([10])، كما قد ترد أحيانًا تحت عبارة: "كان نزول ذلك بعد"([11]).

2- أضف إلى ذلك أنّ هذه الصيغ تارة تتقدّم ما يرويه من أسباب، وأخرى تتأخّر عنها.

3- والأهمّ من ذلك كلّه يُلاحظ أنّ الطبريّ لم يستخدم مصطلح "سبب النزول" في أيٍّ من موارد ذكر هذه الأسباب!

هذه الحالة من التردّد التي تشوب تعامله مع هذا الباب، وعدم استقرار الصيغة التي تنتظمه، لهي دليل إضافيّ على أنّه فاتح هذا الباب بين الكاتبِين والمصنّفين، وهي تؤكّد أنّه لم يكن مسبوقًا بهذا الإقدام -خلافًا لرأي كثير من الباحثين-([12])، لذا كان أوّل الغيث في هذا المجال، لا أكثر ولا أقلّ!

نقطة التحوّل (كتاب الواحدي)

استمرّ تفاعل المفسّرين مع أسباب النزول، لا سيّما بعد أن فرض تفسير الطبريّ نفسه على الساحة بالمميزات التي تحلّى بها، فقد كان تفسيره: "موسوعة لم يعرف الناس لها مثيلاً، وبحرًا زخّارًا يغترف الباحثون منه..."([13])، وعُدّ: "من أمّهات التفاسير المعتمدة في النقل والتفسير بالمأثور"([14])، لذا حاكته التفاسير التي تلته، مع تطويرٍ لما شرع به شكلاً ومضمونًا، من ذلك استقرار نقل تلك الأحاديث تحت عنوان وصيغة واضحة، وهي مصطلح "أسباب النزول" في عدد لا بأس به من التفاسير.

بموازاة ذلك كانت أسباب النزول تنتشر بين العامّة بشكل كبير وعلى مدى سنين متطاولة، ممّا أغرقها في بحر من الأحاديث الموضوعة، فقد بقي باب الاجتهاد في رواية أسباب النزول مفتوحًا مذ رضِيَ العامّة بقبولها عن التابعين الذين لم يشهدوا الوحي، ممّا أدّى إلى تضخّمها بلا رقيب أو حسيب أو ضابطة واضحة([15]).

وإذا أردنا أن نتعرّف على الأوضاع التي آلت إليها أسباب النزول، سواء من حيث رواجها بكثرة، أم من ناحية تفشّي الوضع فيها، فيمكننا أن نقف عند وصف الواحدي لها، يقول بعد أن أشار إلى أهميّة أسباب النزول: "أمّا اليوم فكلّ أحد يخترع شيئًا ويختلق إفكًا وكذبًا، ملقيًا زمامَه إلى الجهالة، غير مفكّر في الوعيد للجاهل بسبب الآية"([16]).

أمام هذا الواقع كان لا بدّ من عمل يوقف هذا النزف، فكان للواحدي حركة شكّلت منعطفًا محوريًّا في هذا النطاق، وتمثّلت بمحاولة إقفال باب الاجتهاد في نقل أسباب نزول الآيات القرآنيّة، وذلك عبر جمع ما يُعتقد بأنّه قد نُقل فعلاً عن الصحابة أو التابعين، ضمن مصنّف خاصّ ومستقلّ، يقول الواحدي في مقدّمة كتابه "أسباب النزول": "وذلك -يعني كثرة ما رووه من الأسباب إفكًا وكذبًا- الذي حدا بي إلى إملاء هذا الكتاب الجامع للأسباب، لينتهي إليه طالبو هذا الشأن، والمتكلّمون في نزول القرآن، فيعرفوا الصدق ويستغنوا عن التمويه والكذب"([17]).

وبالفعل فقد تحوّل كتاب الواحديّ إلى المرجع الأبرز، بعد أن كان الكتاب الأوّل، في مجال أسباب النزول.

شجّع عمل الواحدي من تلاه على التحرّك في إطار أسباب النزول كبابٍ وفنٍّ خاصّ، فشاع التصنيف المستقلّ في أسباب النزول بعده، وقد ارتبطت أولى المحاولات اللاحقة له بكتابه هذا، حيث اختصره الجعبريّ، وعلّق عليه ابن حجر، ثمّ شذّبه السيوطيّ، كلٌّ في مصنّف مستقلّ يُعنى بخصوص باب أسباب النزول.

خطوات متقدّمة (بحوث دراية علم أسباب النزول)

شاع التأليف في مجال جمع أسباب النزول وراجت التصنيفات فيها، هذه المرويّات التي تحتاج إلى عناية وأحكام خاصّة لكونها مرويّة عن التابعين بل ربما بعدهم، هذان الأمران -شيوع التصنيف فيها واحتياجها إلى عناية وأحكام مستقلة- أدّى إلى إدراج علم أسباب النزول ضمن أبواب مباحث علوم القرآن.

وبمراجعة كتب علوم القرآن يظهر أنّ جمع أسباب النزول في تصنيفات وأبواب مستقلّة، جعل علماء القرآن يلتفتون إليه ويخصّونه ببحثٍ مستقلّ على مستوى النظريّة والدراية، بذلك حظي باب أسباب النزول ببحوثٍ على مستوى النظريّة والدراية.

والجدير ذكره أنّ هذا البحث قد تراوح محلّه بين كتاب في علوم القرآن وآخر، ففيما يجعله الزركشيّ النوع الأوّل من الأنواع السبعة والأربعين التي يضمّها كتابه "البرهان"، يؤخّره السيوطيّ إلى الفصل التاسع في كتابه "الإتقان"، وربما يعود ذلك إلى الجِدَّة التي كانت عليه أسباب النزول في زمان الزركشيّ، فإنّ لكلّ جديد بهجة، ثمّ خَفَتَ بريقه مع الزمن، ليحتلّ موقعه الطبيعيّ ضمن بحوث علوم القرآن.

بالإضافة إلى كتب علوم القرآن، فإنّ كتب التفسير، وهي بالدرجة الأولى ظرف الاستفادة من روايات الأسباب، لم تخلُ من إشارات في عالم دراية أسباب النزول، فقد ذكرنا أنّ بعض كتب التفسير -وكذلك كتب شروط التفسير- قد خصّته بالبحث على مستوى النظريّة والدراية، لكونه بابًا يهمّ أيّ مفسّر، حيث يتعرّض المفسّر للمعتبر منها وغير ذلك من جوانبها([18]).

هكذا يبدو باب أسباب النزول وقد احتلّ موقعًا متميّزًا على مستوى الدراية والنظريّة في مختلف مجالات ودراسات القرآن الكريم، إلا أنّ ما يدعو إلى التأمّل والقلق أنّ جمع روايات هذا الباب تحت عنوان مستقلّ بل في تصنيف خاصّ، قد سبق مرحلة التنظير والتأسيس لحدودها وأبحاثها المختلفة على مستوى الدراية، وهذا الأمر لا بدّ أن يترك أثرًا غير طيّب على مستوى اعتبار هذا الباب!

القسم الثاني: الحركة في المدرسة الشيعيّة

إذا كان الباحثون قد تحدّثوا عن حركة أسباب النزول في المدرسة السنيّة، فإنّ البحث في المدرسة الشيعيّة قد وقع في دائرة الإبهام، وهذا ما استدعى التساؤل عن إسهامات هذه المدرسة في إطار أسباب النزول، فكيف كانت حركة الأسباب في هذه المدرسة؟

1- الفترات الأولى

لا يمكن الحديث عن روايات أسباب النزول في المدرسة الشيعيّة بشكلٍ مستقلّ عن باقي روايات أهل البيت (عليهم السلام)، فإنّ علماء هذه المدرسة لم ينقلوا أسباب النزول عن الصحابة أو التابعين، كما أنّهم لم يتركوا باب الاجتهاد في رواياتها مفتوحًا حتى تشكّل بابًا مستقلاً عن بقيّة الروايات المنقولة عن أهل البيت (عليهم السلام)، ومنذ الخطوات الأولى في مجال تنظيم الروايات، والمجهود الذي تمّ في إطار المجامع والموسوعات الحديثيّة،حيث بُذلت مساعٍ جبّارة لترتيب روايات أهل البيت (عليهم السلام) تحت عناوين مستقلّة ومرتّبة،واعتنت شديد العناية بتبويبها،بدت هذه الموسوعات واضحة من حيث عدم فصل روايات أسباب النزول عن بقيّة الروايات([19]).

لم يقتصر هذا التوجّه -عدم فصل روايات أسباب النزول عن غيرها- على مصنّفي الموسوعات الحديثيّة بل سرى ذلك إلى مختلف العلماء على مختلف تنوّعات اهتماماتهم، فمن الملاحظ أنّه حتّى زمان الشيخ المفيد([20])، في القرن الخامس الهجريّ، لم تكن لدى المدرسة الشيعيّة أيّ بوادر اهتمام تُعنى بفصل روايات أهل البيت (عليهم السلام) في أسباب النزول عن بقيّة روايات التفسير، فالمراجِع لأعمال الشيخ المفيد المتنوّعة، يجد أنّه غير معنيٍّ بهذا الشكل من الفصل.

أبرز مظاهر ذلك يتجلّى في كتابه: "الإفصاح في الإمامة"، فإنّه كثيرًا ما يتعاطى في هذا الكتاب مع روايات أسباب النزول، ولو تتبّعناه في ذلك، فإنّنا لا نجده ينطلق في شيء من ذلك من كونها: "أسباب النزول" كنوعٍ مستقلّ، بل يعنونها بأنّها من: الأخبار([21])، أو الحديث([22])، أو الرواية([23])، كما أنّه يعاملها على هذا النحو من حيث الإسناد والحجيّة والتعارض وما شابه، وَوَضَعَها لاحقًا في خانة معاني الآيات والتنزيل([24])، أي روايات تفسير القرآن.

نعم ربما عبّر في بعضها عَرَضًا بأنّها سبب نزول الآية، ولكنّ ذلك في أثناء بحثه وليس مقدّمةً لإيراد هذه الأحاديث ولا بصيغةِ عَنْوَنَتِها بذلك([25]).

وفي كتابه "الإرشاد" لم يتجاوز الشيخ المفيد هذا المنهج، فقد تعرّض لمجموعة كبيرة من الأسباب في سياق حديثه عن سيرة أمير المؤمنين (عليه السلام) في عصر الرسول (صلى الله عليه وآله)، ومع ذلك لم يعبّر بما يجعلها منفصلة عن الروايات الأخرى([26]).

فالشيخ المفيد مع كامل التفاته إلى روايات أسباب النزول، كما يبدو واضحًا عند حديثه عن القرآن في كتابه "تصحيح الاعتقادات"([27])، وكما يبدو من طيّات حديثه في "الإفصاح" -كما مرّ- ، فإنّه تعامل مع أسباب النزول على أنّها من روايات التفسير، سواء من حيث الصيغة التي ترد تحتها، أم من حيث البحث فيها، وهذا إن دلّ على شيء فهو يدلّ على أنّه -لسبب ما- لم يرَ حاجة لفصل الأسباب عن الروايات الأخرى في التفسير ومعاني الآيات.

2- ماذا في تفاسير الشيعة؟

تعاطت التفاسير الشيعيّة الأولى مع روايات أسباب النزول كتعاطيها مع غير الأسباب من روايات التفسير المنقولة عن أهل البيت (عليهم السلام)، على هذا الأساس صُنّف تفسير العسكريّ، وفرات الكوفيّ، وعليّ بن إبراهيم، والعيّاشي.

فيما تبدو التفاسير التي تلت مرحلة الطبريّ، خاصّة تفسيري الطوسيّ والطبرسيّ، للوهلة الأولى منسجمة مع مطلب فصل روايات أسباب النزول عن بقيّة الروايات التفسيريّة، فقد تميّزت الأسباب في الكتابين المذكورين بعنوان يختصّ بها بحيث كان لها استقلاليّة تامّة عن بقيّة المباحث التفسيريّة في الكتابين -كما هو واضح عند مراجعة أيٍّ من الكتابين-، فما حقيقة استقلال باب أسباب النزول عن بقيّة الروايات المرويّة عن أهل البيت (عليهم السلام) لدى هذين العلمين؟!

يبدو أنّ العنوان المستقلّ لأسباب النزول في تفسيري الطبرسي والطوسيّ قد أعطى إشارات خاطئة؛ لأنّ ملاحظةَ وتحقيقَ عدّة نقاط يعكس مشهدًا آخر تمامًا.

فالجدير بالملاحظة أوّلاً أنّ كلاً من الشيخ الطوسيّ والشيخ الطبرسيّ، قد اكتفيا بإدراج خصوص الأسباب الرائجة -المنقولة عن بعض الصحابة والتابعين- تحت عنوان: "النزول"، أو "سبب النزول"([28])، من غير عناية لإيراد ما رُوي عن أهل البيت (عليهم السلام) من الأسباب تحته إلا ما ندر([29]).

لذلك نجد أنّ ما يرد من روايات النبيّ (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) المرتبطة بما يُعرف بأسباب النزول، يتمّ درجه في تفسير الآيات كبقيّة الروايات والأخبار المعوَّل عليها في التفسير([30])، حتّى لو كانا قد أدرجا عددًا من الأسباب الرائجة تحت عنوان "أسباب النزول" قبل الشروع في تفسير ذلك المقطع([31]).

ولهذا عدّة دلالات، أقلّها أنّهما يعتقدان بأنّ العناية بروايات أهل البيت (عليهم السلام) لا تحتاج إلى إطار مستقلّ كعنوان "سبب النزول" حتّى ولو كانت مرويّة في مجال سبب نزول الآية القرآنيّة، وبالتالي فإنّها تُصنّف ضمن الروايات التفسيريّة بلا فرق بين ما يرتبط بسببِ نزولٍ وغيره، وأنّ محور عنوان "النزول" أو "سبب النزول" مخصوص بالأسباب الرائجة المنقولة في كتب العامّة، من باب نقل مادّة الأسباب كما تمّ عَنْوَنتها في مصادرهم أنفسهم.

ثانيًا، كثيرًا ما نجد الشيخ الطوسيّ والطبرسيّ يتجاوزان ما ورد تحت عنوان سبب النزول عند تعرّضهم للمعنى والتفسير، فهما حينما ينتقلان إلى تفسير الآيات، فإنهما يعتمدان على مقتضى ظهور الآية وسياقها والأحكام والروايات المنقولة عن أهل البيت (عليهم السلام) بغضّ النظر عن أسباب النزول الرائجة([32]).

وهذا يعني أنّ نقلهما للأسباب الرائجة المنقولة عن العامة تحت عنوان سبب النزول لم يتجاوز في أغلب الأحيان الإطار الشكليّ لا أكثر.

ويؤكّد كلّ ذلك ما ذكراه صراحة في مقدّمة التفسير، حيث أشارا إلى طريقة عملهما، فجعلا العبرة في التفسير بالأخبار المعتبرة المروية عن المعصومين (عليهم السلام) وما تمّ الإجماع عليه فحسب، وأمّا نقل أقوال الصحابة والتابعين، وما رُوي عنهم من أسباب، فهو استجابة للواقع القائم عند غيرهم لا أكثر، من باب الإشارة إلى ما نقلوه، ولا يُعتمد على ذلك في التفسير.

فالشيخ الطوسيّ، يُشير إلى الصحابة والتابعين من المفسّرين، الذين وردت أقوالهم وما نُقل عنهم من أسباب النزول في تفسيره، كابن عبّاس والحسن وقتادة ومجاهد وأبي صالح والسدّي، ويُعلّق على ذلك قائلاً: "ولا يجوز لأحد أن يُقلّد أحدًا منهم، بل ينبغي أن يُرجع إلى الأدلّة الصحيحة؛ إمّا العقليّة أو الشرعيّة؛ من إجماع عليه، أو نقل متواتر به عمّن يجب اتّباع قوله..."([33]).

وأمّا الطبرسيّ، فقد أشار أيضًا إلى أنّه "لا يقلد أحدًا من المفسّرين"([34])، وأنّه لا يصحّ القول في اللفظ المشترك "إلا بقول نبيّ أو إمام مقطوع على صدقه"([35])، فضلاً عن أنّه اقتفى أثر ما قدّمه الشيخ الطوسيّ، وجعله الأسوة في هذا المجال، لذا نجده قد"نقل كثيرًا عن التبيان للشيخ الطوسيّ، بل تأثّر به كثيرًا"([36])، بعد أن أدخل عليه بعض التعديل والتشذيب والترتيب، وقد أشار في المقدّمة إلى اتّباعه الهيكليّةَ التي سار عليها الشيخ الطوسيّ في كتابه التبيان، حيث قال: "فإنّه [أي كتاب الشيخ الطوسيّ] الكتاب الذي يُقتبس منه ضياء الحقّ، ويلوح عليه رواء الصدق (...)، وهو القدوة أستضيء بأنواره، وأطأ مواقع أثره"([37]).

فالنتيجة، أنّه بعد أن راجت عن بعض الصحابة والتابعين مجموعةٌ من الأحاديث المرتبطة بالتفسير، والتي نقلها العامّة تحت عنوان أسباب النزول، فإنّ المفسرين في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) قد قاموا بنقلها عنهم كما عنونها العامّة أنفسهم، من غير أن يعني ذلك أيّ تأثير على مستوى روايات التفسير في المدرسة الشيعيّة التي تشمل هي الأخرى روايات عن أهل البيت (عليهم السلام) ترتبط بأسباب النزول، فهم لم يفصلوا هذه الروايات عن الروايات التفسيريّة الأخرى ولم يجعلوها تستقلّ بباب خاصّ، وعليه كان باب أسباب النزول كقسم مستقلّ عندهم يختصّ بما نقله العامّة تحت هذا العنوان فحسب([38]).

وهذا ربما يُفسّر، ما يقوم به مثل العلامة الطباطبائي في عصرنا الراهن، فهو عندما يُطلق مصطلح "أسباب النزول" فإنّه يقصد به بشكل أخصّ ما عند العامّة، أي الذي ذكرناه تحت عنوان الأسباب الرائجة، دون روايات أهل البيت (عليهم السلام) ويُحاكمه على هذا الأساس ولو لم يُشر إلى ذلك([39]).

وخلاصة القول، إنّ علماء ومفسّري الشيعة على اهتمامهم بروايات أسباب النزول، فإنّهم لم يجدوا داعيًا يدعوهم إلى فصلها عن بقيّة الروايات، نعم ما ورد عن العامّة من أسباب النزول، أوردوه كما ورد عندهم، أي بعنوانه المنفصل والمستقلّ عن الروايات.

جمع الأسباب في المدرسة الشيعيّة

قد تتبّعنا حركة التصنيف لدى مدرسة العامّة في مجال جمع روايات أسباب النزول، حيث تأخّر أمر جمعها إلى زمان الواحدي بعد أن امتلأت بالغثّ والسمين كما مرّ، وأمّا بالنسبة لأتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) فالملاحظ أنّ حال أسباب النزول كان حال بقيّة الروايات التفسيريّة، حيث ضُبطت ضمن الكتب والأصول الحديثيّة منذ عصر النبيّ (صلى الله عليه وآله) والأئمّة (عليهم السلام).

فقد كان التدوين عند أتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) مرافقًا لعصر النصّ، وذلك في أيّام النبيّ (صلى الله عليه وآله)([40]) بدءًا من الإمام عليّ (عليه السلام) الذي عُرف بتدوينه للمصحف الشريف مع تعليقات عليه، ولصحيفة في الديات([41])، بالإضافة إلى كتاب "السنن والقضايا والأحكام"([42])، وقد جمع فيه أبوابًا فقهيّة.

ثمّ تبعه على ذلك عدد من أصحابه أوّلهم: أبو رافع مولى رسول الله، فلا أحد أقدم منه في ترتيب الحديث وجمعه بالأبواب بالاتّفاق([43])، ثمّ تلاه ابناه عبيد الله وعليّ كاتِبَي أمير المؤمنين (عليه السلام)، ثمّ ربيعة بن سميع، ثمّ سليم بن قيس الهلالي، ثمّ الأصبغ بن نباتة وهو من خواصّ أمير المؤمنين (عليه السلام).

واستمرّ التدوين طيلة القرون المعاصرة لحضور الأئمّة (عليهم السلام) وما بعدها، فقد كان للأئمّة (عليهم السلام) دور كبير في التشجيع على التدوين، ممّا أثّر ذلك نشاطًا لدى أصحابهم في تدوين الروايات التي سمعوها عنهم، وتمثّل ذلك بأصول وكتب خطّها أصحابهم (رضوان الله عليهم)، بحيث زاد ما كتبوه "على ستّة آلاف وستمائة كتاب"([44]).

والنتيجة أنّ أسباب النزول المرويّة عن أهل البيت (عليهم السلام) دُوّنت في حياتهم المباركة، ولم يتأخّر تدوينها، فلم تكن الحال كحال مدرسة العامّة بحيث يُحتاج إلى إقفال باب الاجتهاد فيها ضمن مصنّف خاصّ، لذا غابت مثل هذه المحاولات، وأُلحقت أسباب النزول بغيرها من روايات المعصومين (عليهم السلام) في مختلف مجالاتها، من تفسير وتاريخ وأحكام وعقائد.

نعم، نقلت بعض كتب التراجم أنّه في القرن السادس، ظهر كتابان في أسباب النزول لدى علماء الشيعة، والذي قام بهذا العمل كلّ من تلميذي الشيخ الطبرسيّ: الشيخ سعيد بن هبة الله بن الحسن قطب الدين الراوندي (المتوفّى573هـ)، واسم كتابه: "أسباب النزول"([45])، والشيخ محمّد بن عليّ، ابن شهراشوب السروي الحافظ (المتوفّى588هـ)، واسم كتابه: "الأسباب والنزول على مذهب آل الرسول"([46])، ولا شكّ بأنّ انتشار هذا الباب بشكل واسع عند مدرسة أهل السنّة قد دعتهم إلى مجاراتهم في ذلك، على أنّ إطار عملهما بقي غير معلوم ومبهم الحدود بالنسبة لنا، حيث لم يصل إلينا شيء منه، ولذا لا يمكن الجزم بما قاما به؛ هل هو في إطار نظم روايات أهل البيت (عليهم السلام) بإدراج أسباب النزول منها ضمن تصنيف مستقلّ؟! أو هو في مجال تحقيق ما ذكره العامّة تحت هذا العنوان وتنقيحه بما يتناسب ومذهب أهل البيت (عليهم السلام)؟! ولعلّ الأخير هو الأرجح، ليكون من قبيل ما قام به أستاذهما في التفسير، والذي سبقه إليه الشيخ الطوسيّ، فلا يكون عملهما بالتالي في إطار فصل أسباب النزول ضمن باب مستقلّ، بقدر ما هو محاكمة أسباب النزول لدى العامّة وإبداء الرأي الصحيح فيها.

في الدراية

تتوضّح صورة أسباب النزول لدى علماء مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) أكثر، عند البحث عن دراية هذا الباب، فإنّ من أبرز المظاهر والعلامات التي تشير إلى فقدان الحافز لدى علماء مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) لعمليّة فصل روايات أسباب النزول عن روايات التفسير، هو عدم تعرّض أيٍّ منهم لبحثها بشكل مستقلّ على مستوى الدراية.

فإلى ما قبل عصرنا الحاليّ، لا نجد لدى المدرسة الشيعيةّ أيّ بحثٍ في مجال دراية علمٍ أو بابٍ باسم أسباب النزول، أمّا المفسّرون فقد تقدّم أنّهم تعرّضوا لبحثها ضمن إطار البحث عن الخبر الذي يُعتمد عليه في التفسير، وذلك بناءً على أنّ أسباب النزول الحقيقيّة في المدرسة الشيعيّة هي عبارة عن روايات أهل البيت (عليهم السلام)، فيصحّ فيها ما يصحّ في الخبر المرتبط بالقرآن وبالأحكام...

وفي عصرنا الحاليّ يظهر جليًّا تعمّد بعض العلماء حذف هذا المبحث من مباحث علوم القرآن، كما يلاحظ عند مثل السيّد الخوئيّ (قده) في كتابه البيان، والذي يحوي مجمل علوم القرآن التي ذُكرت في محلّها وفي كتب العامّة، إلا أنّه عمد إلى حذف بحث أسباب النزول، ولم يتعرّض له، مكتفيًا بالحديث عن الخبر المفسّر للقرآن.

ولذا فمن اللافت أنّ دراسات بعض الباحثين والكاتبين الشيعة المعاصرين ممّن اهتمّ ببحث أسباب النزول، إنّما هي دراسات تحذو حذو دراسات أهل السنّة ومنقولة بجلّها عنهم([47])، ولعلّ الأجدى اعتماد ما اعتمد عليه كبار علمائنا من عدم فصل هذا الباب في مجال الدراية عن باب الخبر المعتبر والمعتمد في تفسير القرآن.

يتبع =

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش
 

([1]) وقد تعرّفنا على تفصيل ذلك في مقال سابق، راجع: رسالة النجف، العدد: 16.

([2]) بسام الجمل: أسباب النزول، المركز الثقافيّ العربيّ ، 82-83.

([3]) إلى ما قبل عصرنا، كانت التصانيف المستقلّة -في أسباب النزول- مختصّة بجمع الروايات، ولم نعهد قبلاً وجود تصنيف مستقلّ يتعرّض إلى دراية هذا الباب أو بحثه التاريخيّ، أمّا في عصرنا فقد راج هذا النوع من البحث، وأكثر هذه التصنيفات هي في الأساس رسائل جامعيّة أو كتب تدريس.

([4]) خالد خليفة السعد: علم أسباب النزول وأهميّته في تفسير القرآن ، دار الحكمة ط1 ،101-103.

([5]) لاحظ: محمّد بن جرير الطبريّ : جامع البيان في تفسير القرآن (تفسير الطبريّ)، دار المعرفة: ج‏7/23، ج‏1/385، ج‏3/229، ج‏6/199، ج‏7/22، ج‏2/37.

([6]) م. س: ج‏11/32، ج‏26/9، ج‏3/155، ج‏9/146.

([7]) م. س: ج‏3/55، ج‏3/235، ج‏5/140، ج‏7/127، ج‏21/51، ج‏28/85، ج‏2/134.

([8]) م. س.: ج‏1/374، ج‏2/4، ج‏4/92، ج‏4/119، ج‏7/57، ج‏7/176، ج‏10/54، ج‏15/110، ج‏26/89، ج‏29/116، ج‏2/3، ج‏28/72، ج‏21/99، ج‏18/71، ج‏1/342.

([9]) م.س : ج‏5/148، ج‏2/187.

([10]) م.س : ج‏26/78، ج‏1/84، ج‏1/90، ج‏1/97، ج‏2/92، ج‏30/217.

([11]) م.س : ج‏6/134.

([12]) وأمّا الكتب التي ادّعي تأليفها في مجال أسباب النزول قبله فسيأتي التعرّض لها تفصيلاً.

([13]) محمّد بكر إسماعيل: ابن جرير الطبريّ ومنهجه في التفسير ،دار المنار، ط1: 74.

([14]) محمّد هادي معرفة: التفسير والمفسّرون في ثوبه القشيب، الجامعة الرضويّة للعلوم الإسلاميّة، ط1: 2/ 313-314، ولاحظ: محمّد علي أيازي: المفسّرون حياتهم ومنهجهم، مؤسّسة الطباعة والنشر وزارة الثقافة والإرشاد الإسلاميّ ، ط:1، 1414، ص: 401.

([15]) لا سيّما وأنّه من المعروف لدى العامّة أنّ "الكتابة قد توقّفت بعد وفاة الرسول  (صلى الله عليه وآله)، وفُرض الحظر عليها" (مهدي المهريزي: دروس في نصوص الحديث ونهج البلاغة: منشورات المركز العالميّ للدراسات الإسلاميّة، ط1: ص46)، بل تمّ جمع أحاديث النبي  (صلى الله عليه وآله) وقام الخليفة الأوّل بحرقها (شمس الدين محمّد الذهبيّ: تذكرة الحفّاظ، مكتبة الحرم المكّيّ، ط15: 1/5)، كما روت عائشة حديثًا آخر عن أبيها في هذا المجال، كما في: (تدوين السنّة الشريفة 264، الاعتصام بحبل الله المتين:1/30)، ولم يتنبّهوا لهذا الخطأ إلا "أوائل القرن الثاني، عندما كسر هذا السدّ عمر بن عبد العزيز"( مرتضى مطهّري: الإسلام وإيران 3: 79 - 80 أو ربما في عام (143 هـ) كما يذهب إليه الذهبيّ تاريخ الإسلام: (حوادث 142هـ-160 هـ ، ص12، خالد خليفة السعد: م.ن./31).

([16]) عليّ بن أحمد الواحدي: أسباب نزول القرآن، دار الجيل: 7.

([17]) م.س: 7.

([18]) لاحظ مثل مقدّمة تفسير التحرير والتنوير لابن عاشور، والفوز الكبير للدهلوي...

([19]) يمكن مراجعة مختلف الموسوعات وعلى رأسها الكتب الأربعة: الكافي، والتهذيب والاستبصار، ومن لا يحضره الفقيه.

([20]) نركّز البحث في الاطلالة على هذه الفترة على أعمال الشيخ المفيد لتنوّعها وكثرتها بحيث يمكن أن تعطي صورة عامّة عن طبيعة هذه الفترة.

([21]) محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري (الشيخ المفيد): الإفصاح في الإمامة، المؤتمر العالمي لألفيّة الشيخ المفيد، ط1/163.

([22]) م.س.171-172.

([23]) م.س. 171، كذلك: 175.

([24]) م.س. 165.

([25]) م.س.177.

([26]) لاحظ: الشيخ المفيد: الإرشاد: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، ط1: ج1، في الصفحات التالية: ص53، ص67-68، ص69، ص105، ص117، ص138، ص141، ص165، ص166، ص167-168، ص173، ص175، ص178...

([27]) الشيخ المفيد: تصحيح اعتقادات الإماميّة، المؤتمر العالميّ لألفيّة الشيخ المفيد، ط1 ،123- 124.

([28]) مع أنّهما لم يصرفا عنايتهما إلى إيراد الأسباب جميعًا تحت هذا العنوان،لاحظ على سبيل المثال: الشيخ الطوسيّ: التبيان في تفسير القرآن، دار إحياء التراث: ج6/7، ص12، ج10 ، ص639، حيث أورد الأسباب عند تعرّضه للمعنى، وفي غير الموردين كثير ..

([29]) وهذا واضح عند أدنى عمليّة استقراء لما ورد تحت عنوان "النزول" أو "سبب النزول" في الكتابين، غاية الأمر أنّهما قد يتعرّضان بشكل نادر لروايات أهل البيت (عليهم السلام) تحت ذلك العنوان، وذلك في خصوص ما إذا ورد مناسبًا أو مخالفًا للأسباب الرائجة التي يذكرونها.

([30]) لاحظ على سبيل المثال: الشيخ الطوسيّ: م.ن.: ج10 ،ص91-92، ج10 ،ص398، والشيخ الطبرسيّ: مجمع البيان في تفسير القرآن، مؤسسة الأعلميّ للمطبوعات، ط1: ج2 ،519، ج2 ،520، ج8/549، ج8/559، ج10/512...

([31]) لاحظ على سبيل المثال: الشيخ الطوسيّ: م.ن: ج2/137 (البقرة: 187)، ج3/110 (النساء: 4)، ج3/245 (النساء: 65)، الشيخ الطبرسيّ: م.ن: ج1/353 (البقرة: 109)، ج8/530 (الأحزاب: 6)، ج8/564 (الأحزاب: 37).

([32]) لاحظ على سبيل المثال: الشيخ الطوسيّ: م.ن: ج1/59، ج2/252، ج3/189، الشيخ الطبرسيّ: م.ن: ج1/122، ج1/128، ج1/216.

([33]) الشيخ الطوسيّ: م.ن: ج1/6.

([34]) الشيخ الطبرسيّ: م.ن: ج1/41.

([35]) م.س: ج1/41.

([36]) لاحظ محمّد علي أيازي: م.ن: 234 و 611.

([37]) الشيخ الطبرسيّ: م.ن: ج1/33.

([38]) لقد كان ديدن الشيخ الطوسيّ في مؤلّفاته اعتماد أساليب المؤلّفات والموسوعات الكبرى شكلاً، وجعله ضمن قالبٍ ومضمون شيعيٍّ، بعد أن كان على تماسٍ وتواصلٍ كبيرين مع علماء العامّة، فألّف جلّ كتبه على نسق كتبهم؛ إمّا في سياق بيان رأي مدرسة أهل البيت  (عليهم السلام) ابتداءً، أو في سياق الردّ عليهم.

وتفسيره لم يكن استثناءً في ذلك، بل لعلّه أكثر تأثّرًا من حيث الشكل في هذا المجال، من هنا يذكر آراء المفسّرين من التابعين مع أنّه لا يرى حجيّةً لقولهم كما تقدّم، فتفسير الطبري وما تلاه من تفاسير لم تكن غائبةً أبدًا عن باله عند تصنيفه للتبيان، وقد ذكر في المقدّمة جماعة المفسّرين من العامّة، وما قدّموه في هذا المجال، وخصّ الطبريّ بالذكر، حيث أطال في جميع معاني التفسير، واستوعب ما قيل فيه من فنونه (لاحظ مقدّمة الشيخ الطوسيّ: م.ن: ج1/1)، ليقول في الختام: "وأنا إن شاء الله تعالى أشرع في ذلك على وجه الإيجاز والاختصار لكلّ فنّ من فنونه" (الشيخ الطوسيّ: م.ن: ج1/2)، وهذا معناه أن يتعرّض إلى الفنون التي تعرّض لها الطبريّ ومن بعده، ومنها باب أسباب النزول عندهم.

([39]) لاحظ: السيّد محمّد حسين الطباطبائي: القرآن في الإسلام، ترجمة السيّد أحمد الحسيني، مركز الإعلام الإسلاميّ، 1404هـ/118-119، والسيّد محمّد حسين الطباطبائي: الميزان في تفسير القرآن، مؤسسة النشر الإسلاميّ، 1417: ج5/367.

([40]) نور الدين عتر: منهج النقد في علوم الحديث، دار الفكر المعاصر، ط3 /20.

([41]) الشيخ محمّد بن يعقوب الكلينيّ: الكافي، دار الكتب الإسلاميّة، ط1: 1/239، ابن حجر العسقلانيّ: فتح الباري شرح صحيح البخاريّ، دار المعرفة للطباعة :7 ، 83، مسند أحمد 3: 35، 44، 121.

([42]) الشيخ آقا بزرك الطهراني: الذريعة إلى تصانيف الشيعة، المكتبة الإسلاميّة: 2/159-161، أعيان الشيعة: السيّد محسن الأمين، دار التعارف، 1403: 1/97.

([43]) أبو العبّاس النجاشيّ: رجال النجاشي، مكتبة الداوريّ: ص5.

([44]) الحرّ العامليّ: وسائل الشيعة، مؤسسة آل البيت: 20/165، ويمكن في هذا المجال مراجعة كتب الرجال: كرجال النجاشيّ، اختيار معرفة الرجال للكشّي، والفهرست للشيخ الطوسي.

([45]) الشيخ آقا بزرك الطهراني: م.ن: 2/12.

([46]) الشيخ آقا بزرك الطهراني: م.ن: 1/12، محمّد بن عليّ بن شهراشوب (ابن شهراشوب)، معالم العلماء، مطبعة قم:119، السيّد حسن الصدر: تأسيس الشيعة، منشورات الأعلميّ :337.

وبعض الباحثين ينسب "كتاب أسباب نزول القرآن" إلى ابن شهراشوب، ثمّ يعتبر أنّ البعض قد ساق صيغة أخرى للكتاب هي: "الأسباب والنزول على مذهب آل الرسول" (بسام الجمل: م.ن/ 91- 92).

([47]) وسنتعرّض لأهمّ الدراسات الشيعيّة المعاصرة في مقال لاحق إذا وفّقنا الله.

 

 

أعلى الصفحة     محتويات العدد السابع عشر