أما في أفريقيا فهناك عدة لغات حروفها عربية منها:
السواحلية
في أفريقيا الشرقية، والبمبارية (السودان الفرنسي)،
والفولية في غينيا الفرنسية، والهوسائية في نيجيريا،
والفياديجية في حوض النيل([1]).
وإذا كانت
هذه الدول هي التي اتخذت الحروف العربية أبجدية لغاتها،
فإن اللغة العربية نفسها حلَّت محل لغات كثيرة لعذوبتها،
وقدرتها على النفاذ بسرعة، ولحيويتها وصفائها، وسرعة
استجابة الناس لها، فقد حلَّت العربية محل السبئية
والمعينية في جنوب الجزيرة، ويستعمل الصوماليون في شرق
أفريقيا لهجة اليمن العربية كلغة ثانية، وتستعمل في زنجبار
لهجة عُمان العربية إلى جانب السواحلية.
وفضلاً عن
أن المسلمين في الحبشة يتكلمون الهررية، وهي من اللغات
الساميّة فإنهم يستعملون العربية عامة في الأغراض
الكتابية.
وفي مناطق
سورية وفلسطين والرافدين دانت الآرامية للعربية، علمًا أن
الآرامية كانت قد حلَّت هناك قبل قرون مكان العبرية في
فلسطين والأكدية في بلاد الرافدين، كما ازدهر أدب لاهوتي
مكتوب بالعربية منذ القرن العاشر الميلادي.
وفي مصر،
دانت القبطية للغة العربية، وكان زعماء الكنيسة القبطية
يستعملون العربية مكان القبطية، وبلغت اللغة العربية في
العهد المملوكي ذروة السيادة.
وحلَّت
العربية محل البربرية في شمال أفريقيا بعد انتشار الإسلام
فيها، وما لبثت أن بلغت دول المغرب العربي وإقليم تشاد.
وعندما حكم
العرب أسبانية (711-1492م) كانت العربية لغة الإدارة في
المناطق الإسلامية، ولغة الحديث والأدب والشعر، وكل ما
يتعلق بالفكر والحياة بين جميع العرب هناك.
وفي أوائل
العصور الوسطى صارت العربية لغة مالطة وجزيرة جوزو
المجاورة، ولا ننسى صقلية، فقد كانت لغتها الرسمية هي
اللغة العربية في الحكم الإسلامي ([2]).
كما كان
لسقوط مدينة القسطنطينية بأيدي العثمانيين أثرُ كبير في
انتشار العربية، فوقوع واحدة من أهم المدن الأوروبية
وأشدها عراقة في القدم فتح نافذة على الوسط الأوروبي كله،
وتبع هذا الحدث سقوط مدن أخرى كثيرة في شرق أوروبية بيد
العثمانيين كصوفيا وسرايفو وبلغراد واشقودرة التي كانت
العاصمة الإدارية لألبانيا قبل أن تصبح العاصمة تيرانا، ثم
اسكوبيا وقبرص وسالونيك وغير ذلك.
كما دقَّ
العثمانيون أبواب النمسا واجتازوا قسمًا كبيرًا منها،
وحوصرت فيينا، وأسهمت هذه الفتوحات والإنجازات في وصول
اللغة العربية إلى هذه المناطق، وأقيمت المدارس، وبلغ
الأمر ببعض رجال العلم من أهل تلك المناطق أن فكّروا
باعتماد الحرف العربي في أبجديات لغات بعض الشعوب
البلقانية، تقليدًا للعثمانيين الذين اعتمدوا الحرف العربي
في أبجديتهم([3]).
وتأكيدًا
لبعض ما أشرنا إليه، من تأثير اللغة العربية مباشرة في
كثيرٍ من لغات العالم، التي استوعبت وأدخلت إلى حرمها ألوف
بل عشرات ألوف الكلمات العربية، سوف أذكر بعض هذه الأسماء
التي تكرّست وأصبحت جزءًا لا يتجزأ من تراث هذه اللغات، ثم
أُلحقُ بها جداول بأسماء الكلمات العربية والأجنبية.
فلفظة سلطان
العربية، دخلت الفرنسية، والإنكليزية، والروسية،
واليونانية، والأرمنية، والمجرية، باللفظ نفسه تقريبًا،
وكذلك القهوة، والقطن، والفقير، والغزال، والزعفران،
والسحلب، والسكر، والصعتر.
وقد اقتبست
اللغة الأسبانية من العربية مئات بل ألوف الألفاظ، منها:
الزيتونة
Aceituna،
والدفلى Adefla،
والدّف Adufe،
والخزانة Alacena.
كما اقتبست
البرتغالية ألوف الكلمات أيضا مثل: القفة
Alcofa،
والضيعة Aldeia،
والفقيه Alfaqui.
وكذلك
اقتبست الرومانية ألوف الكلمات أيضًا منها: عباءة
Aba،
وعادة Adet
([4]).
وأخذت
الألبانية مفردات شتى نذكر منها: عادة
Adet،
دقيقة Dekika،
فلان Filan،
حمّام Hamam،
عذاب Gazep.
واقتبست
اليونانية قاموسًا من الألفاظ العربية مثل: بلاء
Belas،
إبريق Brik،
دف Defi،
دنيا Dounias،
إمام Imamis،
خبز Khabazi،
حرامي Kharamis،
منديل Mandili.
ومما نقلت
الفنلندية: كيمياء kemia،
سلطان Sultani،
قهوة kahwi.
وما يجب أن
نذكره أن بعض الكلمات العربية قد يتغير معناها عند
اندماجها في لغات أوروبية:
مثلا
(العضادة) وهي في الأصل خشبة من الخشبتين اللتين على جانبي
الباب، تحولت إلى alidade،
وهي مسطرة لقياس الزوايا، تدور حول نقطة في طرفها وينتقل
طرفها الآخر على دائرة ذات أقسام متساوية أو جزء من أداة
لمسح الأراضي.
كلمة (وزير)
تحولت في الفرنسية إلى (vizir)،
و(أمير أو أميرال البحر) تحولت إلى (amiral)
الدالة على ضابط كبير في أسطول الدولة.
(ديوان)
تحولت إلى (douane)
بمعنى المُمكس أو الكمرك.
(صفر) تحولت
إلى كلمتين، الأولى بمعنى صفر(zero)
أي عدم العدد، والثانية بمعنى رقم (chiffre).
(سلطان)
تحولت إلى (sultan)
للدلالة على عاهل تركية القديمة ومراكش، وكانت تطلق على
بعض ملوك أو أمراء الخليج.
(الكُحل)
وتحولت في الفرنسية القديمة إلى (alcohol)
الدالة على كل مسحوق شديد الدقة مثل الكُحل، وعلى المادة
التي اسمها الآن (alcool)
الناتجة عن تقطير الخمر.
(تعريف)
تحولت إلى (tarif)
بمعنى جدول أسعار أو مكوس، في الإنكليزية (tariff)
وفي الروسية(tarif)
([5]).
(شراب)
تحولت إلى (sirop)
الدالة على ماء كثير السكر يحتوي مادة طبية نباتية.
(حريم) التي
يدل معناها على نساء الرجل، تحولت إلى (harem)
الدالة على المعنى نفسه وعلى قسم البيت المختص بتلك
النساء، وكذلك في الإنكليزية (harem)
وفي الروسية (garyem).
(موصل) اسم
مدينة مشهورة في العراق، اشتقت منه (mousseline)
بمعنى نسيج من القطن أو الصوف أو الحرير، كان الأوروبيون
يشترونه من العراق، فسُمّي باسم المدينة، وجاءت تحمل
المعنى نفسه في الإنكليزية (muslin)،
وفي الروسية (mouslin).
(شرق) تحولت
إلى (sirocco)
للدلالة على ريح حارة تهب من الجنوب الشرقي على البحر
المتوسط وسواحله، ويسمونه عندنا اليوم (شروق).
(حشاشين)
تحولت إلى (assassins)
الدالة على مجموعة في آسيا الصغرى اشتهر أعضاؤها في القرن
الحادي عشر بإدمانهم شرب الحشيش، وبكثرة ارتكابهم القتل،
وفي العصور المتأخرة صارت (assassin)
بمعنى قاتل، وفي الإنكليزية (assassin).
(القبة)
تحولت إلى (alcove)
بمعنى قسم من غرفة منزوٍ عنها، يحتوي فراشًا واحدًا او
أكثر...
(قند) أي
عسل قصب السكر بعد جموده، قد تحولت إلى (candi)
بمعنى السكر المنقّى المتبلور الشبيه بالشفاف، هذا في
الفرنسية، وفي الإنكليزية (candy).
(البُرقوق)
كانت بمعنى المشمش والخوخ، فتحولت إلى (abricot)
للمشمش فقط.
(نارنج)
تحولت إلى (orange)
بمعنى البرتقال ([6]).
إن جميع هذه
الكلمات العربية التي أوردتها اقتبست كما هي تقريبا في
اللغات الفرنسية، الإنكليزية والروسية واليونانية
والأرمنية والمجرية.
يتبع =
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1])
المصدر نفسه - ص 126.
([2])
يعقوب بكر - دراسات في فقه اللغة ص 16- 18.
([3])
مجلة التراث العربي - دمشق - منشورات اتحاد الكتاب
العربي - العددان 71 و72 - تموز 1998- ص 181و182.
([4])
غرائب اللغة ص- 129- 140.
([5])
غرائب اللغة ص-129-136.
د.
صبحي الصالح – دراسات في فقه اللغة- ص314-317.
([6])
غرائب اللغة العربية ص 129- 140.
|