العدد الثاني / 2005م  /1426هـ

     رجوع     محتويات العدد     أرشيف المجلة     الرئيسية

.

تتمة مقال = فصل الخطاب في الميزان

فنقول:

إن ما استند إليه المحدِّث النوري هو الأمور التالية:

الدليل الأول:

استدلّ المحدِّث النوري بروايات عن أهل السنة واليسير منها عن الشيعة تقول: إن ما وقع في الأمم السالفة سيقع في هذه الأمة([1])، وقال: ومن ذلك تحريف الكتاب.

وهو استدلال باطل، لأن المقصود بهذه الروايات هو: مضامين وكليات الأحداث الجارية وفق السنن التاريخية، والتحولات الاجتماعية بصورة عامة..

ويدل على ذلك: أن كثيرًا من الأمور قد حدثت في الأمم السالفة، ولم تحدث في هذه الأمة:

مثل : قصة أهل الكهف.

وذلك الذي أماته الله مائة عام ثم بعثه.

وولادة نبي من أنبياء الله من غير أب.

وموت هارون وهو الوصي قبل موت موسى النبي.

ورفع عيسى.

وغير ذلك من أمور كثيرة ومتنوعة.

فالمراد بالروايات المشار إليها إذن، هو: وقوع أمور تشبه ولو من بعض الوجوه ما جرى في الأمم السالفة.. وهي تلك التي تخضع للسنن التاريخية، والتحولات الاجتماعية العامة، كما قلنا.

وحتى فيما يرتبط بأمر التحريف، فإن حصوله ولو في بعض الجوانب كاف في صدقية الحديث.. فإذا حرّفت الكتب في الأمم السالفة في مضامينها، وفي نصوصها.. فإن التحريف قد حصل في هذه الأمة ولو في نطاق الحدود والمعاني. وإن كانوا قد أقاموا حروفه، وقد أشير إلى ذلك فيما روي: «أقاموا حروفه، وحرفوا حدوده»([2])..

والنتيجة المتوخاة من التحريف لدى السابقين واللاحقين واحدة.

الدليل الثاني:

الروايات التي رواها غير الشيعة حول جمع القرآن، وأنّه إنّما كان بعد وفاة رسول الله «صلى الله عليه وآله»، اعتمادًا على شاهدين، مما يعني: أن القرآن لم يتواتر، وذلك يفسح المجال لاحتمال وقوع التحريف فيه([3]).

ويرد على هذا الاستدلال: أن هذه الروايات غير صحيحة.. لأن القرآن قد جمع في عهد رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وكانت المصاحف متداولة وشائعة فيما بين الصحابة.. وكان ثمة كُتَّاب للوحي معروفون في التاريخ، وعلى رأسهم عليّ بن أبي طالب «عليه السلام»، وأُبيّ بن كعب، وآخرون([4]).

لكن الحقيقة هي: أن الحكام بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يكونوا يملكون نسخة تامة من المصحف، فأرادوا أن يهيئوا لأنفسهم نسخة منه، فطلبوا من زيد بن ثابت فهيّأ لهم ما أرادوا.. وذلك بعد أن رفضوا المصحف الذي كان خلف فراش رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكان قد كتب فيه التّنزيل والتأويل، وأسباب النزول، وفي من نزلت الآيات، وأين نزلت، والناسخ والمنسوخ، والمحكم والمتشابه منها، وغير ذلك([5])..

الدليل الثالث:

الروايات التي رواها غير الشيعة في آيات وسور يُدَّعى نسخ تلاوتها، فإذا كان نسخ التلاوة باطلاً. ولم تكن تلك الآيات والسّور موجودة في القرآن، فذلك يعني أنها قد حذفت منه، ومعنى ذلك: وقوع التحريف فيه([6]).

ونحن نوافق النوري على رفضه لنسخ التلاوة، غير أننا نقول: إن ما ادَّعوه من آيات وسور قد نسخت تلاوتها، هي في الحقيقة ادِّعاءات باطلة، والنصوص المشار إليها هي: إما من كلام رسول الله «صلى الله عليه وآله»، أو بعض الصحابة أو هو كلام مختلق، ومكذوب من قبل الأعداء، أو غير الواعين، وغير الورعين، لأهداف وأغراض مختلفة.

وقد تصدينا في كتابنا «حقائق هامة حول القرآن» لبيان زيف هذه الادِّعاءات، فلا بأس بمراجعته لمن أراد التوسع في ذلك([7]).

يتبع =

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش

([1]) ورد في تفسير قوله تعالى {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبَقٍ} الانشقاق19: عن حريز عن بعض أصحابه عن أبى جعفر عليه السلام قال : (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : والذي نفسي بيده لتركبن سنن من كان قبلكم حذو النعل بالنعل ، والقذة بالقذة)، والقذة : ريش السهم، يعني كما تقدر كل واحدة منهن على صاحبتها وتقطع ، قال ابن الأثير يضرب مثلاً للشيئين يستويان ولا يتفاوتان . راجع تفسير نور الثقلين - الشيخ الحويزي 1/ 606.

([2]) روى في الكافي 8/53 ؛ والبحار 75/359 ؛ والوافي 5/274: عن الإمام الباقر (عليه السلام) فما كتبه لسعد الخير : (...أقاموا حروفه وحرّفوا حدوده، فهم يروونه ولا يرعونه، والجهّال يعجبهم حفظهم للرواية، والعلماء يحزنهم بتركهم للرعاية).

([3]) راجع الإتقان 1/57 فما بعدها ؛ وصحيح البخاري 3/145 ؛ و2/90 ؛ ومسند أحمد 1/13 ؛ وغيرها.

([4]) راجع صحيح البخاري 2/201 و3/147 ؛ كنز العمّال 2م390 ؛ جامع الترمذي 5/666 ؛ وحقائق هامّة ص90، وغيرها.

وقد بحث المؤلف في "حقائق هامة" دعوى جمع القرآن بشاهد وشاهدين وبيّن ضعفها، واستدل بما لا مزيد عليه على جمع القرآن في عهد النبي (ص)، راجع حقائق هامة من ص63 الى ص 138.

([5]) راجع تفسير البرهان - المقدمة ص36 عن تفسير القمّي والإتقان 1/57-58 ؛ وعمدة القاري 20/16 ؛ والوافي 5/274 ؛ وحقائق هامّة ص81 ؛ وغيرها.

([6]) راجع لباب التأويل للخازن 1/8 ؛ والبرهان للزركشي 1/235-262 ؛ والإتقان 1/157 ؛ وفتح الباري 9/10 ؛ ومناهل العرفان 2/110 ؛ وغيرها.

([7]) بحث المؤلف فيه بحثًا مطولاً حول نسخ التلاوة ذكر فيه أدلة القائلين به وبيّن زيفها وبطلانها، وتعقّب الروايات التي تضمنت ما ادعي كونه آيات قرآنية خلا منها القرآن الكريم،وبيّن بطلانها، راجع حقائق هامة ص305 الى صفحة 368 .

 

أعلى الصفحة     محتويات العدد الثاني    أرشيف المجلة     الرئيسية