الدليل الرابع:
استدلّ
بروايات وردت من طرق غير الشيعة حول اختلاف مصاحف السلف،
وحول أن ترتيب القرآن كان باجتهاد الصحابة([1])..
ونقول:
أولاً:
لو سلمنا صحة هذه الروايات، فإنها لا ربط لها بتحريف
القرآن، لا من حيث الزيادة، ولا من حيث النقيصة، فإن بعض
السلف كان يجمع السور القرآنية بصورة تدريجية تبعًا لتدرج
نزولها.. وقد يطلع على سورة في وقت متأخر عن اطلاع غيره
عليها، فيثبتها في مصحفه من ذلك الحين..
أضف إلى ذلك:
أن اختلاف ترتيب السور ليس بالأمر المهم.
أما دعوى
الاختلاف في ترتيب الآيات، فلا يصح ما قالوه فيه أيضًا،
لأنه إنما يستند إلى مجرد استحسانات، بل تخرصات تدل على
عدم فهمهم لمعاني بعض الآيات، فادَّعوا أنها أزيلت من
أماكنها لتوضع في أماكن أخرى..
ولكن مراجعة
الموارد التي ادَّعوها تظهر فساد ما قالوه، فلا ينبغي
الالتفات إليه..
ولكي يتضح ما
نرمي إليه نورد هذا المثال المعروف، وهو: أن البعض قد حاول
ادِّعاء: أن آية التطهير، قد ازيلت عن موضعها في سورة هل
أتى، ووضعت في سورة الأحزاب في سياق مخاطبة النساء، مع
أنها لا ترتبط بهن.
ومن الواضح:
أن هذا الكلام يدل على عدم تدبر هذا القائل في معنى الآيات
الكريمة.. فإن نقل هذه الآية إلى سورة هل أتى، يفسد معنى
آيات تلك السورة، إذ لا مناسبة بين سياقها ومضامينها، ويبن
إذهاب الرجس عن أهل البيت وتطهيرهم.
ويخل أيضًا
بالمعنى في آيات سورة الأحزاب، لأن سياق الآيات يتجه إلى
بيان أن الله سبحانه وتعالى قد طلب من نبيِّه أن يقول
لأزواجه أمورًا، ويفرضها عليهن، فقال له:
{يَا
أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ
تُرِدْنَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ
أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً، وَإِن
كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَه وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ
الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ
مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا}
(قل لهن):
{يَا
نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ
مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ
وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا}
(قل لهن):
{وَمَن
يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا
نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا
رِزْقًا كَرِيمًا}
(قل لهن):
{يَا
نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاء إِنِ
اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ
الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفًا}
(قل لهن):
{وَقَرْنَ
فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ
الجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ
الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَهَ وَرَسُولَهُ}
(ثم قال له):
{إِنَّمَا
يُرِيدُ اللُه لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ
الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا..}([2]).
أي أننا إنما
أصدرنا هذه التوجيهات لزوجاتك، لأننا نريد إبعاد الرجس عنك
وعن أهل البيت حتى ولو صدر من أناس آخرين، كالزوجات، أو
الجيران، أو الأقارب.. مع تعمّد الإلماح إلى أن الزوجات
فيهن المسيئات، وفيهن المحسنات، وأشار إلى شيء من
مخالفاتهن في سورة التحريم، والطلاق، والأحزاب..
فالأمر
للزوجات لا لخصوصية لهن، بل الخصوصية لرسول الله
«صلى
الله عليه وآله»
ولأهل بيته
«عليهم
السلام»
فقط.
وثانيًا:
كيف سيتم نقل آية التطهير إلى سورة هل أتى، وهي نصف آية؟!
فهل يبقى صدرها في سورة الأحزاب ناقصًا؟! أم تنقل كاملة
إلى هناك ليظهر التنافي والتنافر بينها وبين آيات تلك
السورة بصورة أتمّ وأجلى؟!
وثالثًا:
إن القبول بهذه الاستحسانات، والذوقيّات سيفتح الباب أمام
التّلاعب بالقرآن، ويفسح بالمجال أمام أي شخص كان ليدَّعي:
أن هذه الآية لا تناسب هذه السورة، بل تناسب تلك.. من خلال
أوهام وتخرصات في مختلف الاتجاهات، وفق ما يروق له،
وانسجامًا مع أهداف شريرة تدفعه لزرع الفتنة، أو للتّلاعب
بإيمان الناس، أو بحياتهم..
الدليل الخامس:
ما رواه غير الشيعة أيضًا:
من اختلاف مصاحف الصحابة في بعض الكلمات، مثل إضافة:
«إلى
أجل مسمّى»
في قوله تعالى:
{فَمَا
اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ}([3]).
وإضافة كلمة
«بعلي»([4])
إلى قوله تعالى
{وَكَفَى
اللَهُ المُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ}([5]).
يتبع =
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) للاطلاع على مصادر تلك الروايات راجع
حقائق هامة ص148.
([2]) الآيات 28 ـ 34 من سورة الأحزاب.
([3]) الآية 24 من سورة النساء.
([4]) راجع الدرّ المنثور 5/192، وحقائق هامة
ص250 .
([5]) الآية 25 من سورة الأحزاب.
|