العدد الثاني / 2005م  / 1426هـ

       رجوع     أرشيف المجلة     الرئيسية

 

شبهة تحريف القرآن في كتاب الكافي

 الشيخ أمين ترمس*

إن كتاب الكافي تأليف ثقة الإسلام أبي جعفر محمد بن يعقوب الكُلَيْنِيّ (ت/390هـ)، يُعتبر أقدم وأشمل وأهمّ جامع حديثي، ومصدر روائي عند الإمامية مما بقي ووصل إلينا من المصادر.

"فقد أمضى (رحمه الله) في تأليفه مدّة عشرين سنة عاكفًا على أصول أصحاب الأئمة (عليهم السلام) وكتبهم، يجمع بينها، وينتخب منها حتى اجتمع لديه منها الشيء الكثير، فهذّبها في أحسن تهذيب، ورتّبها في أجمل ترتيب، وبوّبها على حسب حاجة المكلَّف إليها، ولأجل ذلك قال عنه شيخ مشايخ الطائفة محمد بن محمد بن النعمان المفيد (رحمه الله): "إنه من أجلّ كتب الشيعة وأكثرها فائدة"، ووصفه الشهيد الأول (رحمه الله) بأنه: "لم يُعمَل للإمامية مثله""([1]).

فلهذا كلّه كان -وما زال- عُرضةً للطعن، وغرضًا للرمي، وهدفًا للمفترين، فشُنّت على المصنِّف والمصنَّف جملة حملات ظالمة، وأُشيع حولهما شبهات باطلة، منها : دعوى تحريف القرآن في روايات الكافي.

وقبل الدخول في البحث لا بدَّ من تعريف التحريف، لغةً واصطلاحًا:

أما في اللغة، فقد جاء بمعنى التغيير والتبديل، فقالوا: "تحريف الكلام تغييره عن مواضعه، والتحريف في القرآن والكلمة تغيير في الحرف عن معناه، والكلمة عن معناها"([2]).

وأما في الاصطلاح: "فقد يطلق لفظ التحريف ويُراد منه عدّة معان على نحو الاشتراك، فبعضها واقع في القرآن باتفاق المسلمين، وبعضها لم يقع باتفاقهم أيضًا، وبعضها اختلفوا فيه.

وأهمّ هذه المعاني:

الأول: نقل الشيء عن موضعه، وتحويله إلى غيره.

ولا خلاف بين المسلمين في وقوع مثل هذا التحريف في كتاب الله، فإنّ كلّ من فسّر القرآن بغير حقيقته، وحمله على غير معناه، فقد حرّفه، وترى كثيرًا من أهل البدع والمذاهب الفاسدة قد حرّفوا القرآن بتأويلهم آياته على آرائهم وأهوائهم.

وقد ورد المنع عن التحريف بهذا المعنى، وذمّ فاعله في عدّةٍ من الروايات.

الثاني: النقص أو الزيادة في الحروف، أو في الحركات مع حفظ القرآن وعدم ضياعه.

والتحريف بهذا المعنى واقع في القرآن قطعًا.

الثالث: النقص أو الزيادة بكلمة أو كلمتين مع التحفّظ على نفس القرآن المُنزل.

والتحريف بهذا المعنى هو ما كان عليه جملة من المصاحف في صدر الإسلام قبل توحيدها.

الرابع: التحريف بالزيادة بمعنى أنّ بعض المصحف الذي بأيدينا ليس من الكلام المُنزل.

والتحريف بهذا المعنى باطل بإجماع المسلمين، بل هو ممّا عُلِمَ بطلانه بالضرورة.

الخامس: التحريف بالنقيصة، بمعنى أن المصحف الذي بأيدينا لا يشتمل على جميع القرآن الذي نزل من السّماء، فقد ضاع بعضه عن النّاس.

والتحريف بهذا المعنى هو الذي وقع فيه الخلاف، فأثبته قومٌ، ونفاه آخرون"([3]).

عودٌ على بَدْء:

أعود فأقول: إنّ أهمَّ الدّعاوى التي سيقت في اتّهام الشيخ الكليني (رحمه الله) بالقول بتحريف القرآن، وأنّ الكافي مشتمل على جملة من روايات التحريف، ما قاله جملة من المتأخرين من كتّاب العامة، أمثال: محمد أبو زهرة، وموسى جار الله، وإحسان إلهي ظهير، بل بعضهم حكم على ثقة الإسلام الكليني بالكفر (والعياذ بالله) لإيراده تلك الروايات([4]).

وقبل عرض أهمّ ما تمسّكوا به ممّا توهموه دالاً على التحريف أشير إلى أمور:

الأول: الروايات التي يظهر منها القول بالتحريف، رواها جملة من كبار علماء السنّة، وبعضٌ من علماء الشيعة، بل ما هو موجود في مجامع الحديث والصّحاح عند السنّة أكثر بكثير كمًّا ونوعًا مما هو موجود عند الشيعة.

الثاني: لا يوجد عند الشيعة من الكتب والمصادر -سوى كتاب الله تعالى- ما هو صحيح مطلقًا، وأهمّ الجوامع الحديثية عندهم-الكتب الأربعة- "الكافي"، و"من لا يحضره الفقيه"، و"التهذيب"، و"الاستبصار"، وأهمّ هذه الأربعة "الكافي".

والشيعة لا يعتقدون صحّة جميع ما في كتاب الكافي، بل يناقشون في أحاديثه سندًا ومتنًا.

الثالث: من غير الإنصاف أن يُنسب إلى طائفة -أيّ طائفة كانت- قول أو رأي لم يذهب إليه منهم إلا أفراد قليلة جدًّا.

الرابع: لا يجوز أن ننسب إلى صاحب كتابٍ عقيدةً أو رأيًا لمجرد إيراده رواية أو روايات في موضوع معيّن قبل أن نطّلع على طريقة المؤلِّف في إيراده لتلك الروايات.

وأما أهم ما تمسّكوا به كدليل على تلك الادّعاءات:

ما أورده الشيخ الكليني في أصول الكافي في كتاب الحجّة:

وهو عدد من الروايات:

منها : ما في بابٍ أسماه (باب: لم يَجمَع القرآن كلّه إلا الأئمةُ عليهم السلام، وأنهم يعلمون علمه كلّه)، وفي هذا الباب ستة أحاديث.

أما عنوان الباب، فلا دلالة فيه على شيء من المدّعى، علمًا أن طريقة الشيخ الكليني في ذكر العناوين للأبواب في كتابه هي ضرورة انسجام تلك العناوين مع مضمون الأحاديث المدرجة تحتها.

وأما مقصوده من هذا العنوان -بحسب الظاهر- هو أن المصحف الموجود عند الناس ليس هو كالمصحف الذي عند الأئمة (عليهم السلام) من حيث الجمع وترتيب الآيات، والسّوَر بحسب النزول، والناسخ والمنسوخ، والتقديم والتأخير، والتفسير وغير ذلك، ويدلّ على هذا المعنى أمران:

(أ): ذيل عنوان الباب "أنهم يعلمون علمه كله" أي يعلمون جميع علوم القرآن الظاهر والباطن وغير ذلك، ويكون هذا الذيل حينئذٍ عطفًا تفسيريًا لصدر العنوان.

(ب): الأحاديث التي أوردها الشيخ الكليني في الباب، وهي كالتالي:

الحديث الأول: ما رواه بإسناده، عن جابر قال: (سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: ما ادًعى أحدٌ من النّاس أنه جمع القرآن كلّه كما أُنزل إلا كذّاب، وما جمعه وحفظه كما نزّله الله تعالى إلاّ علي بن أبي طالب عليه السلام والأئمة من بعده عليهم السلام)([5]).

وجمعُ القرآن من قِبَل أمير المؤمنين (عليه السلام) -وأنّ له مصحفًا باسمه- أمر معروف بين المسلمين، ونقله العامة والخاصة([6]).

الحديث الثاني: ما رواه أيضا بإسناده، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: (ما يستطيع أحد أن يدّعي أن عنده جميع القرآن كلّه، ظاهره وباطنه غير الأوصياء)([7]).

لا يقال : إن ظاهر هذا الحديث يدلّ على التحريف في القرآن.

 فإنه يقال في مقام الجواب: إن ملاحظة بعض الحديث -صدره- قد يُوهم بذلك إلا أن ذيله صريح ببطلان هذا الوهم، وأنّ عِلم القرآن بظاهره وباطنه لا يوجد عند أحد غير الأئمة (عليهم السلام).

هذا مضافًا إلى عدم تمامية سنده، وتفصيل ذلك لا يتناسب مع هذا البحث المختصر وإنما أكتفي بالإشارة مُرجئا التفصيل إلى محلّه إن شاء الله تعالى.

الحديث الثالث: ما رواه بإسناده، عن سَلَمة بن محرز قال: (سمعت أبا جعفر "عليه السلام" يقول: إنّ من عِلمِ ما أُوتينا تفسير القرآن وأحكامه، وعِلمِ تغيير الزمان وحدثانه، وإذا أراد الله بقوم خيرًا أسمعهم ...)([8]).

وهذا الحديث كما هو واضح لا علاقة له بالتحريف لا من قريب ولا من بعيد، وإنّما هو صريح في أنّ عِلم الأئمة (عليهم السلام) لِما في القرآن وغيره هو من عند الله تبارك وتعالى.

والأحاديث الباقية في هذا الباب جميعها في هذا السياق.

ومن كلّ ما تقدّم يتّضح المقصود الحقيقي للشيخ الكليني (قده) في عنوان الباب.

يتبع =

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش

* مبلّغ ديني ومدرّس في الحوزة العلمية.

([1]) ثلاثيات الكليني وقرب الإسناد ص 48.

([2]) ترتيب كتاب العين 1/369 ؛ لسان العرب 9/43 ؛ مجمع البحرين 5/37 ؛ تاج العروس 6/69.

([3]) البيان في تفسير القرآن ص197 - 200 (بتصرف واختصار).

([4]) الإمام زيد ص 351 ؛ الإمام الصادق ص327 فما بعد ؛ الوشيعة ص23 ؛ الشيعة والسنّة ص136 ؛ ورجال الشيعة في الميزان للزرعي ص167.

([5]) الكافي 1/228 كتاب الحجة ب 35 ح1.

([6]) انظر الفهرست لابن النديم ص 41، والإتقان للسيوطي1/204، وتاريخ الخلفاء ص185، والمسائل السرورية للشيخ المفيد المطبوعة ضمن سلسلة مؤلفاته 7/79.

([7]) المصدر السابق 1/ 228 كتاب الحجة ب 35 ح2.

([8]) المصدر السابق 1/ 229 كتاب الحجة ب 35 ح 3.

 

أعلى الصفحة     محتويات العدد الثاني    أرشيف المجلة     الرئيسية