السنة السابعة / العدد العشرون/ كانون أول : 2011 - محرم : 1433هـ

       رجوع     أرشيف المجلة     الرئيسية

 

 تتمة مقال = المذاهب الأربعة ( نشأتها وشهرتها وانتشارها )

 

عوامل انتشار المذاهب الأربعة

المذهب الحنفي

يُنسب إلى الإمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطي، من أهل كابل أو من أهل نسا، وكان اسمه عتيك بن زوطرة، وكان أبوه عبدًا مملوكًا لرجل من ربيعة من بني تيم الله بن ثعلبة من فخذ يُقال لهم بنو قفل، ولد سنة 80 هـ في نسا، وتوفي سنة 150 هـ في بغداد([35]).

كانت دعوة العباسيين قائمة على أساس الانتماء إلى النبي (صلى الله عليه وآله) ، وأنَّهم سلالة البيت النبوي، فهم أحق بالأمر من أميَّة خصوم الإسلام وأعداء محمد (صلى الله عليه وآله) ، وبالطبع فإنَّهم يقيمون على أطلال تلك الدولة المُتَّهمة بمُخالفة الدين، دولة ذات صبغة دينيَّة، يُحاولون أن يُظهروا الاتصال الوثيق بين الدين والدولة، ليُكوِّنوا من أحكام الشريعة الإسلامية دستورًا ونظامًا تسير الدولة عليه سيرًا صوريًا، فقرَّبوا العلماء، واتصلوا بهم اتصالاً وثيقًا وآثروا نشر العلم، وجعلوا القضاء بيد أهل الرأي من أهل العراق، حتى وُلِّي أبو يوسف القضاء([36])، وهو أقوى عوامل انتشار المذهب الحنفي لمكانة أبي يوسف وسلطته التنفيذية يومذاك، فكانت للمذهب الحنفي خطوة واسعة في قطع مسافة الشهرة بما لم يسعد به غيره.

فأبو يوسف([37]) هو تلميذ أبي حنيفة وقد تربَّى في نعمه، وبتوليته منصب القضاء استطاع نشر المذهب، ووُلِّي منصب رئاسة القضاء العامة في عهد الرشيد سنة 170 هـ فلم يُقلَّد القضاء ببلاد العراق وخراسان والشام ومصر إلا مَن أشار به القاضي أبو يوسف([38])، وذلك لمكانته في الدولة ومنزلته عند الرشيد حتى قال له الرشيد: يا يعقوب لو جاز لي إدخالك في نسبي ومشاركتك في الخلافة المفضية إليَّ لكنتَ حقيقًا به، ألست القائل لأخي وقت كذا وكذا ؟ وفي وقت كذا وكذا ؟ يُشير بذلك إلى ما عزم عليه الهادي من خلع الرشيد واستشارة أبي يوسف في ذلك، وجوابه له بردِّ عزمه، فكان الرشيد يشكر لأبي يوسف هذه اليد، حتى قيل: لم يتمكن أحد كتمكن أبي يوسف من الرشيد([39])، وقال بشر المريسي: ما اشتهيت من مراتب السلطان إلا مرتبة رأيت أبا يوسف بلغها عشية من العشايا([40]).

وقال أحمد بن يوسف الكاتب: [وبلغ أبو يوسف مع الرشيد مبلغًا لم يبلغه عالم بعلمه ولا محبوب بمرتبته]([41]).

وقال ابن عبد البر: كان أبو يوسف قاضي القضاة قضى لثلاثة من الخلفاء، ولي القضاء في بعض أيام المهدي ثُمَّ للهادي ثُمَّ للرشيد، وكان الرشيد يُكرمه ويُجلُّه، وكان عنده حظيًا مكينًا([42])، لذلك كانت له اليد الطولى في نشر ذكر أبي حنيفة وإعلاء شأنه، لما أوتي من قوة السلطان وسلطان القوة.

وإذا نظرنا إلى مقومات المذهب في نفسه نجد ذلك يرجع لجهود أربعة من أصحاب أبي حنيفة فإنَّهم ألَّفوا فيه وهذَّبوا مسائله، وليس لأبي حنيفة إلا المشاركة في الرأي أحيانًا، وخالفوه في أكثر المسائل، كما أنَّهم وسَّعوا دائرة المذهب في الحيل الشرعيَّة.

وأول أولئك النفر هو أبو يوسف القاضي، فقد خدم المذهب بقوة سلطانه وفي تصنيف الكتب وتبويب المسائل، وقد أدخل الحديث في فقه أبي حنيفة، وألَّف كتاب [الخراج] لهارون الرشيد مُستنبطًا من الحديث على مذهب مالك، وغلبت على آرائه العناية بمصالح السلطان الزمنية.

والثاني محمد بن الحسن، الشيباني، مولاهم، المولود([43]) سنة 132 هـ والمتوفى سنة 189 هـ، نشأ بالكوفة وعاش تحت ظل الدولة العباسية، أدرك أبا حنيفة ولم ينتفع منه لحداثة سنِّه، فأتمَّ دراسة المذهب على أبي يوسف، وكان ذا فطنة وذكاء، وأصبح المرجع لأهل الرأي في نبوغه وتقدمه، وألَّف في المذهب كتبًا هي في الحقيقة المرجع الأول فيه، فإنَّ الحنفية ليس بأيديهم إلا كتبه، وخرج إلى المدينة ولقي مالكًا وقرأ الموطأ عليه، ثُمَّ رجع إلى بلده فطبق مذهب أصحابه على الموطأ مسألة مسألة([44])، ونظم الفقه الحنفي وخالف أبا حنيفة في أكثر مسائله.

والثالث زفر بن الهذيل المتولد سنة 110 هـ كان من أهل الرأي وكان أقيس أصحاب أبي حنيفة.

والرابع الحسن بن زياد([45]) اللؤلؤي مولى الأنصار، درس على أبي حنيفة ثُمَّ على أبي يوسف وعلى محمد بعده، وصنَّف الكتب في مذهب أبي حنيفة، ولم تكن كتبه بتلك الدرجة من الاعتبار عند الحنفية كما كانت كتب محمد بن الحسن.

فهؤلاء الأربعة هم دعامة رقي المذهب وسعة دائرته، ولم ينقل لنا التاريخ عن أبي حنيفة كتابًا يتضمن مسائله وفقهه، وإنَّما دوَّن علم المذهب أصحابه.

نعم، يُنسب لأبي حنيفة كتاب يُسمَّى الفقه الأكبر هو وريقات قليلة لا يتضمن إلا شيئًا من العقائد، وقد شُرح ووسِّع وأضيفت إليه آراء أخر مع أنَّ الأكثرية يذهبون إلى نسبة هذا الكتاب إلى أبي حنيفة البخاري، وليس هو أبو حنيفة رئيس المذهب.

وبهذا يصبح لا أثر له في تدوين أي شيء، كما أنَّ أبا حنيفة لا يُفارق فتوى إبراهيم وعبد الرزاق إلا في مواضع يسيرة، والغرض أنَّ المذهب إنَّما انتشر وكثرت مسائله بأعمال هؤلاء الأربعة ومساعيهم، ثُمَّ جاء من بعدهم علماء نُسبوا لهذا المذهب، فكانت لهم آراء مُستقلة وتكونت مجموعة من الأقوال والآراء الفقهية وكلها تُنسب لأبي حنيفة، وإن لم يُفتِ بها ولم يعرفها، ولكنَّهم قالوا: إنَّ أبا حنيفة أمر أصحابه بأن يأخذوا من أقواله بما يتَّجه لهم منها عليه الدليل حتى صار ما قالوه قولاً له لابتنائه على قواعده التي أسسها لهم([46]).

المذهب المالكي

يُنسب إلى الإمام مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي ولد سنة 93هـ بالمدينة، ويُدَّعى أنَّ أمَّه حملت به سنتين وقيل أكثر، وتوفي سنة 179هـ.

وكان من نتائج النزاع الذي حدث بين أهل العراق وأهل المدينة، أو أهل الحديث وأهل الرأي، ظهور شخصية أبي حنيفة في العراق ومالك في الحجاز، وكانت السلطة تؤيِّد جانب أصحاب أبي حنيفة وتشد أزرهم، وتُقدِّم الموالي لتحط من قيمة العرب، لأنَّهم في نظر السلطة أعداء يتكتمون فلا يأمنون جانبهم من وثبة يومًا ما لميلهم للعلويين، وإنَّهم ليترقبونها في غالب الأحيان فهم دائمًا في حذر.

وكان مالك ممَّن انضم لجانب العلويين، وأخذ العلم عن الإمام الصادق (عليه السلام)، وأظهر القول بجواز الخروج مع محمد النفس الزكية، فأهين لذلك وناله الأذى وتعصَّب له قوم وناصروه وأصبحت له مكانة في المجتمع، ولحظت السلطة أهمية مكانته، فرأت من اللازم أن تجعله تحت عنايتها لتوجد منه شخصية علمية توجِّه إليه المجتمع طوعًا أو كرهًا، فأصبح مُحترمًا إلى أبعد حدود الاحترام.

ويُعطينا الإمام الشافعي صورة عن عظيم منزلته، عندما دخل المدينة يحمل إلى واليها كتابًا من والي مكة توصيةً منه بالشافعي، ويطلب منه إيصاله إلى مالك، قال الشافعي: فأبلغت الكتاب إلى الوالي فلمَّا أن قرأه قال: يا فتى إنَّ المشي من جوف المدينة إلى جوف مكة حافيًا راجلاً أهون عليَّ من المشي إلى باب مالك بن أنس، فلست أرى الذلَّة حتى أقف على بابه، قال الشافعي: فقلت: أصلح الله الأمير، إن رأى يوجِّه إليه ليحضر، قال: هيهات، ليت أنِّي إذا ركبت أنا ومَن معي، وأصابنا من تراب العقيق نلنا بعض حاجاتنا، قال: فواعدته العصر وركبنا جميعًا فوالله لكان كما قال، فتقدَّم رجل فقرع الباب فخرجت إلينا جارية سوداء، فقال لها الأمير: قولي لمولاكِ إنِّي بالباب، قال: فدخلَتْ فأبطأَتْ ثُمَّ خرجَتْ فقالت: إنَّ مولاي يُقرئك السلام ويقول إن كانت لك مسألة فارفعها في رقعة يخرج إليك الجواب، وإن كان للحديث فقد عرفت يوم المجلس، فانصرفت، فقال: قولي له معي كتاب والي مكة إليه في حاجة مُهمَّة، قال: فدخلت ثم خرجت وفي يدها كرسي فوضعته، ثُمَّ إذا أنا بمالك قد خرج وعليه المهابة والوقار وهو شيخ طويل مسنون اللحية([47])، فجلس وهو مُتطلس([48])، فدفع الوالي الكتاب من يده ثُمَّ قال: يا سبحان الله! وصار علم رسول الله (صلى الله عليه وآله)  يُؤخذ بالرسائل؟ قال: فرأيتُ الوالي وقد تهيَّبه أن يُكلمه فتقدَّمتُ إليه فقلت له: أصلحك الله إنِّي رجل مطلبي ومن حالي ومن قصتي، فلمَّا أن سمع كلامي نظر إلي ساعة... إلخ([49]).

ونحن إذ نقيس منزلة مالك بين العهدين نجد الفرق بيِّنًا فنراه في عهد أحد الولاة مغضوبًا عليه يُسحب ويُجرَّد من ثيابه ويُضرب خمسين سوتًا ويُهان، ونراه في العهد الثاني يتهيَّب الوالي أن يُكلِّمه، فمالك في حاليه يُعطينا درسًا في معرفة أغراض السياسة مع رجال الأمَّة، وأنَّ لها ألوانًا من المعاملة مع الأشخاص الذين تريد أن تستخدمهم بالمُغريات.

والغرض أنَّ نجم مالك بزغ بذلك الأفق فأصبحت له شخصية مرموقة دون غيره من شيوخه الذين هم أعلم وأفقه كربيعة الرأي([50]) وغيره، فامتاز بتلك المنزلة واكتست شخصيته بأبراد العظمة، وحاول العباسيون أن يجعلوا منه مرجعًا عامًا للأمَّة في الفتوى، ولكنَّها محاولة لم تنجح، وقد أمره المنصور بوضع كتاب يحمل الناس عليه بالقهر، فكلَّمه مالك في ذلك وامتنع فقال المنصور: ضعه فما أحد اليوم أعلم منك([51])، فوضع الموطأ.

وهذه الكلمة لها مكانتها في نظر الاعتبار، فالمنصور حينما يُعلن بأنَّ مالكًا أعلم الناس، ويُلزمه بوضع كتاب تُصادق عليه الدولة فيكون نظامها المُتَّبع وتطلب الالتحاق بقافلة الدين ـ وما أبعدها عن ذلك ـ فمَن يستطيع أن يتخلَّف عن الاعتراف بمنزلة مالك وأنَّه أعلم الأمَّة؟

والرشيد يأمر عامله على المدينة بأن لا يقطع أمرًا دون مالك، وكان الرشيد يجلس على الأرض أمامه لاستماع حديثه([52]).

كيف لا يكون لمالك ظهور وسمعة ومُنادي السلطان يهتف أيام الحجِّ أن لا يُفتي إلا مالك([53])، فأصبحت له مكانة في المُجتمع وهيبة في النفوس، وتقرَّب الناس إليه بشتى الوسائل، والتفوا حوله، وتزاحموا على مجلسه الذي عيَّن له وقتًا خاصًا في يوم معيَّن يزدحم الناس فيه لاستماع الحديث وأخذ الفتيا، وله كاتب بين يديه يقرأ للناس، وليس لأحد أن يدنو منه ولا ينظر في كتابه ولا يستفهمه في شيء، وبذلك لا يستطيع أحد مُناقشته، وكان على رأسه سودان يأتمرون بأمره.

قال إسماعيل الفزاري: دخلت على مالك وسألته أن يُحدثني فحدثني اثني عشر حديثًا ثُمَّ أمسك، فقلت: زدني أكرمك الله، وكان له سودان قيام على رأسه، فأشار إليهم فأخرجوني من داره([54]).

ولا ريب أنَّ هذه المعاملة من مالك تبعثنا على التساؤل عن أسباب امتناع مالك وبخله على الناس بما ينفعهم من أحاديث نبوية وإرشادات تربوية؟ وهذا الوضع منه لا شك أنَّه مُستغرب لأنَّ السنّة الشريفة أمرت بنشر العلم وتوعدت مَن يكتمونه.

ويُحدثنا أبو بكر بن عبد الله الصنعاني قال: أتينا مالك بن أنس فحدثنا عن ربيعة الرأي، فكنَّا نستزيده فقال لنا ذات يوم: ما تصنعون بربيعة وهو نائم في ذاك الطاق؟ فأتينا ربيعة فقلنا: كيف يحظى بك مالك ولم تحظ أنت بنفسك؟ فقال: أما علمتم أنَّ مثقالاً من دولة خير من حمل علم([55]).

ولا بُدَّ من الإشارة إلى رضى مالك بإقبال السلاطين عليه وترك أيديهم تلعب بأحواله الخاصة فأصابه من جبرية الحاكم شيء.

ومهما يكن من أمر فقد أسعده الحظ فكان له شأن ولمذهبه قبول ولكتابه منزلة حتى قالوا: ما على ظهر الأرض كتاب بعد كتاب الله أصح من كتاب مالك، وفي لفظ آخر: ما على الأرض كتاب هو أقرب إلى القرآن من كتاب مالك([56]).

وكان انتشار مذهبه على أيدي القضاة والملوك، وقد انتشر بالأندلس بسبب حملِ مَلِكِ الأندلس الناس عليه بالقهر، لمَّا بلغه كلام من مالك في مدحه عندما سأل عن سيرة الملك في الأندلس فذُكر له عنها ما أعجبه فقال: نسأل الله تعالى أن يُزيِّن حرمنا بملككم، فلمَّا بلغ قوله إلى الملك حمل الناس على مذهبه وترك مذهب الأوزاعي([57])، وهذا من أقوى عوامل الانتشار ودواعي الظهور والسمعة، وإقبال الناس عليه إتباعًا للسلطان وخضوعًا للسلطة بدون تمييز لما هو الأرجح والأولى.

وقد نشر مذهبَ مالك في أفريقيا القاضي سحنون، يقول المقريزي: ولمَّا وُلِّي المعز بن باديس حمل جميع أهل أفريقيا على التمسُّك بذهب مالك وترك ما عداه، فرجع أهل أفريقيا وأهل الأندلس كلهم إلى مذهبه رغبة فيما عند السلطان، وحرصًا على طلب الدنيا، إذ كان القضاء والإفتاء في جميع تلك المدن لا يكون إلا لمَن تسمَّى بمذهب مالك، فاضطرت العامة إلى أحكامهم وفتاواهم، ففشى هذا المذهب هناك وحظي بالقبول لا بحسب مؤهلاته ومُقوماته الروحية أو العلمية، وإنَّما صار على حسب نظام القوة التي خضع الناس لها بدون تبصُّر، كما أنَّ انتشاره بالمغرب الأقصى هو كذلك رغبة لما عند السلطان، وخضوعًا لما افترضوه على الناس، ولم يكن ثبوته مُستقلاً بروحانيته عن تأثير السلطة التنفيذية، فإنَّ دولة بني تاشفين قامت في الأندلس في القرن الخامس، وتولَّى علي بن يوسف بن تاشفين فعظَّم أمر الفقهاء، ولم يكن يقرب منه ويحظى عنده إلا مَن تعلَّم مذهب مالك، فنفقت في زمنه كتب المذهب، وعُمل بمُقتضاها ونُبذ ما سواها، وكثر ذلك حتى نُسي النظر في كتاب الله وحديث الرسول (صلى الله عليه وآله) ، فلم يكن أحد يعتني بهما كما يعتني بكتب المذهب المالكي([58]).

وما ذلك إلا من اختراع السياسة لأمور كان الأصلح للأمَّة أن تتخلى السياسة عن التدخل بمثلها، إذ من الصعب على الرعية أن تعرف صلاح أمرها ما دام مفروضًا عليها من قبل السلطان وهي تجهل ذلك، وبهذه المُؤثرات انتشر مذهب مالك بصورة هائلة كزميله المذهب الحنفي، فله أسوة به، وإذا ما قصرت خطاه في بعض الأماكن فبمُجرَّد تولِّي القضاء المالكي من قبل رجال المذهب يزداد نشاطه وإقبال الناس عليه وتمسكهم به، لذلك لمَّا خمل ذكره في المدينة مدة من الزمن فبمُجرَّد أن تولَّى قضاءها ابن فرحون أظهره بعد خُموله.

فيظهر لنا أنَّ الزمن سار في انتشار هذه المذاهب لا على سبيل الاعتقاد والواقع، بل إنَّ في الأمَّة ضعفاء قلَّدوا الأقوياء بأهم أمر، وكان الأجدر استقلالهم بمعرفته، وأخذهم له من أهله، وأنَّى لهم ذلك وكل سلطة تحاول أن تجعل أمورها ذات صبغة دينية، وتجعل أمر التشريع بيد قضاة صارعتهم الدنيا فصرعتهم إلا مَن عصم الله وقليل ما هم.

قال ابن حزم: [مذهبان انتشرا في مبدأ أمرهما بالرياسة والسلطان:

1ـ مذهب أبي حنيفة، فإنَّه لمَّا وُلِّي قضاء القضاة أبو يوسف يعقوب صاحب أبي حنيفة كانت القضاة من قبله، فكان لا يُولي قضاء البلدان من أقصى المشرق إلى أقصى أفريقيا إلا من أصحابه والمنتمين إليه وإلى مذهبه.

2ـ مذهب مالك عندنا في بلاد الأندلس فإنَّ يحيى بن يحيى([59]) كان مكينًا عند السلطان مقبول القول في القضاة، فكان لا يلي قاضٍ في أقطار بلاد الأندلس إلا بمشورته واختياره، ولا يشير إلا بأصحابه ومَن كان على مذهبه، والناس سراع إلى الدنيا، فأقبلوا على ما يرجون بلوغ أغراضهم به]([60]).

وحُكي عن الدهلوي أنَّه قال: فأي مذهب كان أصحابه مشهورين وأسند إليهم القضاء والإفتاء، واشتهرت تصانيفهم في الناس، ودرسوا درسًا ظاهرًا انتشر في أقطار الأرض، لم يزل ينتشر كل حين، وأي مذهب كان أصحابه خاملين ولم يُولَّوا القضاء والإفتاء ولم يرغب فيهم الناس اندرس بعد حين([61]).

وهذا التعليل قد أجمعت عليه آراء المؤرِّخين والعلماء حتى لقد شاع بين الناس قولهم: [الناس على دين ملوكهم]([62]).

المذهب الشافعي

ويُنسب إلى الإمام محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب، وقيل إنَّ شافعًا كان مولى لأبي لهب فطلب من عمر أن يجعله من موالي قريش، فامتنع فطلب من عثمان ذلك ففعل، وقد ولد سنة 150 هـ وتوفي سنة 198 هـ ([63]).

كان ظهوره أولاً بمصر وكثر أصحابه هناك فغلب على بغداد وعلى كثير من بلاد خراسان، ودخل شيء منه إلى أفريقيا والأندلس بعد سنة 300 هـ، وقويت شوكته، وعظمت شهرته في عهد الدولة الأيوبية التي كانت تتسم بسمة شافعية، وبذلوا جهدهم في نصرته، ببناء المدارس لفقهاء الشافعية واختصاص القضاء بهم، وكان الغالب على أهل مصر الشيعة في عهد الفاطميين الذين كانوا يملكون مصر قبله، وكان المذهب الجعفري يُدرَّس في الجامع الأزهر وغيره، فأبطل صلاح الدين تدريسه فيها وأحيا مذهب الشافعي([64]) وأبي حنيفة ومالك، وبنى لهم كثيرًا من المدارس، ورغَّب الناس فيها بالأوقاف التي حبسها عليها فرغبوا فيها وأخذوا في تقليدها وهجروا ما عداها من المذاهب.

وكان انتشار مذهب الشافعي بعد صلاح الدين أكثر من غيره، لاعتناق الملوك الذين تولوا من بعده مذهب الشافعي، وقد نجح الشافعي في بدء أمره عندما قدم مصر وزاحم مذهب مالك، حتى تعصَّب عليه المالكية، لأنَّه كاد أن يُنسي الناس مذهب مالك إلى أن آل الأمر بهم فقتلوه بسبب التعصُّب.

وكان سبب نجاحه مؤازرة بني عبد الحكم له، فإنَّ لهم مكانًا رفيعًا بمصر، ومنزلة سامية وجاهًا عظيمًا، وقد آزره أبو محمد عبد الله بن الحكم بن أعين بن الليث، وكان عالمًا عاقلاً متحققًا بمذهب مالك، وإليه أفضت الرياسة بعد أشهب، فلمَّا نزل الشافعي عليه أكرم مثواه وبلغ الغاية في برِّه، وقتل الشافعي وهو نزيله، فاعتنق مذهب الشافعي وكتب كتبه لنفسه، مع أنَّ الشافعي لم يُعدَم رعاية السلطان هناك، فإنَّه دخل مصر وهو يحمل من الرشيد كتابًا لواليه على مصر يوصيه به ويُلزمه بعنايته، ووقعت بينه وبين المالكية مناوشات كان النجاح له في نهاية الأمر.

وكان قدوم الشافعي إلى مصر في سنة 198 هـ، ويُقال إنَّه جاء مع أميرها عبد الله بن العباس بن موسى العباسي، فصحبه جماعة من أعيان أهل مصر كبني عبد الحكم والربيع بن سليمان، وأبي إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزني، والبويطي، وكتبوا عنه ونشروا مذهبه.

المذهب الحنبلي

يُنسب إلى الإمام أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد بن إدريس بن حيان بن عبد الله بن أنس بن عوف بن قاسط بن مازن بن ذهل بن شيبان، ولد سنة 164 هـ في بغداد وتوفي فيها سنة 241 هـ.

ظهر مذهب أحمد بن حنبل ببغداد وهو آخر المذاهب لتأخره زمنيًا في الحدوث، وكانت خطوة انتشاره خارج بغداد قصيرة جدًا ولم ينل شهرة غيره من المذاهب، وظهر في مصر في القرن السابع بين أفراد معدودين، ولكن انتشر بعد فترة قصيرة عندما تولَّى القضاء عبد الله بن محمد بن محمد بن عبد الملك الحجازي، فزاد انتشاره هناك وذلك في سنة 738 هـ .

قال ابن خلدون: فأمَّا أحمد بن حنبل فمقلده قليل لبُعد مذهبه عن الاجتهاد وأصالته في معاضدة الرواية وللأخبار بعضها ببعض، وأكثرهم بالشام والعراق من بغداد ونواحيها، وهم أكثر الناس حفظًا للسنة ورواية الحديث([65]).

والقدماء يعدّون أحمد بن حنبل من أهل الحديث لا الفقهاء([66])، ولذا لم يُعد مذهبه في الخلاف بين الفقهاء، وكان ابن جرير يقول إنَّه رجل حديث لا رجل فقه، وعدَّه المقدسي كذلك من أهل الحديث لا من الفقهاء، ولم يذكره ابن قتيبة في معارفه في عداد الفقهاء، واقتصر ابن عبد البر في كتابه الإنتقاء على ذكر مالك والشافعي وأبي حنيفة.

والحاصل أنَّ المذهب الحنبلي أقل المذاهب انتشارًا، وقد عَدَّ مُتبعوه هذه القلة فخرًا، نعم ظهرت عظمته ببغداد إذ كان مُتبعوه يحتفظون فيما بينهم باتحاد وثيق حيث تكون المصلحة هناك، وقد أصبحوا في زمنٍ ما ولهم قوة استطاعوا بها أن يُقلقوا بال الحكومة، وتظاهروا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فكانت صولتهم عظيمة وأوقعوا في سائر المذاهب التي تخالفهم ما تشتهيه أنفسهم من التنكيل والأذى، وقضت الحكومة على تلك الحركات غير المُنظمة، وضيَّقوا دائرة اتساع دعوتهم.

ولم ينل المذهب الحنبلي قوة أنصار ورجال دعوة إلا في البلاد النجدية، فقد ساعده الزمن وكتب له البقاء على يد محمد بن عبد الوهاب([67]) مُؤسس المذهب الوهابي، وإن كان مذهب أحمد وشهرته اندكت إلى جانب شهرة الوهابي ومذهبه، ولا يُنكر ما لابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية من الفضل في انتشار المذهب ونشاطه، وهما في الحقيقة أبطال دعوته وعنهم أخذ ابن عبد الوهاب تعاليم مذهبه الجديد، ومع ذلك فإنَّ مُعتنقي هذا المذهب هم اليوم أقل عددًا بالنسبة إلى مُعتنقي المذاهب الأخرى في العالم الإسلامي.

السلطة وانتشار المذاهب

وبهذه الأسباب وعوامل الترغيب التي اتخذها أولئك الأمراء وذوو النفوذ والسلطة أخذت هذه المذاهب بين العامَّة في الصيت والشهرة، ما جعلهم متزاحمين على اعتناقها بدون تمييز وحرية في الرأي، وظلَّت حقيقتها غامضة إذ لا يُمكن استكشافها، فالخضوع للسلطان أمر لا مفر منه، وكان عدم تدخل الحكومة في مثل هذه الأمور أعوَد على الأمَّة، وأصلح لدينها ودنياها، فتدخّلها فيه قد جرَّ الأمَّة إلى منافسات وعصبية أعقبتها فتن ذهب ضحيتها نفوس بريئة تدين لله بالوحدانية ولمحمد (صلى الله عليه وآله)  بالنبوة، وقد أدت الخلافات إلى فرقة وتباعد ممَّا كدَّر صفو الأمَّة ورماها بالشتات بعد الإلفة وبالعداء بعد الأخوة.

وعلى هذا المنوال أستطيع أن أسير في التدليل على ما في هذا الالتزام من النقص وقد سارت عليه جماهير من المسلمين بدون دليل ولا برهان، فتوقف التشريع الإسلامي وانحصاره بأقوال الأربعة إنَّما هو تحجير للفكر وجمود للتشريع لأغراض تعود بالنفع على الطبقة الحاكمة الذين يريدون أن يصبغوا أعمالهم بصبغة الدين وما هم من الدين في شيء، إذ لا همَّ لهم إلا حفظ ملكهم وقضاء مآربهم، على أنَّ الأئمَّة الأربعة لا يلتزمون بهذا بل يرون أنفسهم أنهم قد يخطئون، فأقوالهم لا تدل على وجوب الالتزام بقول أحد مطلقًا.

وهذا مالك بن أنس يقول: إنَّما أنا بشر أصيب وأخطئ فاعرضوا قولي على الكتاب والسنة. ويقول أبو حنيفة: هذا رأيي وهذا أحسن ما رأيت فمَن جاء برأي خير منه قبلناه. ويقول الشافعي: إذا صحَّ الحديث فاضربوا بقولي الحائط. ويقول أحمد: من قلَّة علم الرجل أن يُقلد دينه الرجال. وقال: لا تُقلد دينك الرجال فإنَّهم لن يسلموا من أن يغلطوا. انتهى([68]).

وعلى أي حال فإنَّ الاستسلام والتقليد اللذين أدّيا إلى التعصُّب والانغلاق أثَّرا في سير الحركة الفكرية والعلمية، لأنَّ التقليد يقوم على الإتِّباع وبذلك يُترك النظر والتعرُّف على الدليل.

وكيف كان، فقد استطاعت المذاهب الأربعة أن تترقّى وتكتسب قيمتها المعنوية، لأنَّها موضع عناية الخلفاء والولاة المُتعاقبين بالرغم ممَّا رافقها من خلافات ومُنافرات، وإنَّ عناية السلطة تُكسب الشيء لونًا من الاعتبار والعظمة حسب نظام السياسة لا النظام الطبيعي، فعوامل الترغيب وأداة القوة جعلتها تأخذ بالتوسع شيئًا فشيئًا، ولولا ذلك لما استطاعت البقاء حتى تصبح قادرة على مُزاحمة غيرها.

ثُمَّ كان بعد هذا ما هو أدهى وأمر، فإنَّه في سنة 645 هـ أُحضر مُدرّسو المدرسة المستنصرية إلى دار الوزير، فطُلب منهم ألا يذكروا شيئًا من تصانيفهم، وألا يُلزموا الفقهاء بحفظ شيء منها، بل يذكروا كلام المشايخ السابقين تأدبًا معهم، وتبركًا بهم، فأجاب جمال الدين عبد الرحمن الجوزي الحنبلي بالسمع والطاعة، ثُمَّ مدرس المالكية سراج الدين عبد الله الشرمساحي المالكي، وقال: ليس لأصحابنا تعليقة، فأمَّا النقط من مسائل الخلاف فممَّا أرتِّبه، فبان بذلك عذره.

وأمَّا شهاب الدين الزنجاني مدرس الشافعية وأقضى القضاة عبد الرحمن بن اللمغاني مدرس الحنفية فإنَّهما قالا ما معناه: [إنَّ المشايخ كانوا رجالاً ونحن رجال]، ونحو ذلك من إيهام المساواة، فأوصل الوزير ما أجابوا به إلى المُستعصم، وكان قد تولَّى الملك بعد أبيه المُستنصر، فأحضرهم أمامه، وطلب منهم جميعًا أن يلتزموا ذكر كلام المشايخ ويحترموهم، فأجابوه جميعًا بالسمع والطاعة، ورجع مدرسا الشافعية والحنفية عن اعتدادهما بأنفسهما([69]).

وقال المقريزي: فلمَّا كانت سلطنة الظاهر بيبرس البندقداري ولَّى بمصر أربعة قضاة، وهم شافعي ومالكي وحنفي وحنبلي، فاستمر ذلك من سنة 665 هـ حتى لم يبقَ في مجموع أمصار الإسلام مذهب يُعرف من مذاهب الإسلام سوى هذه المذاهب الأربعة، وعُملت لأهلها المدارس والخوانك والزوايا والربط في سائر ممالك الإسلام، وعُودي مَن تمذهب بغيرها، وأنكر عليه، ولم يُولَّ قاضٍ ولا قُبلت شهادة أحد، ولا قُدِّم للخطابة والإمامة مَن لم يكن مُقلدًا لأحد هذه المذاهب، وأفتى فقهاء الأمصار في طول هذه المُدَّة بوجوب اتِّباع هذه المذاهب وتحريم ما عداها([70]).

ويُحكى عن الأستاذ عبد المتعال الصعيدي أحد علماء الأزهر في كتابه [ميدان الاجتهاد] أنَّه قال:

[فلمَّا رأى بنو العباس أنَّ وسائلهم في القهر لا تجديهم، أرادوا أن يأتوا الناس من باب التعليم، فيتولوا أمره بأنفسهم، ليُربُّوا العلماء على الخضوع لهم، ويملكوهم بالمال من أول أمرهم، وكانت الأمَّة هي التي تتولى أمر التعليم بعيدًا عن الحكومة، كما تتولاه الآن الأمم الراقية في أوروبا وأمريكا، فيقوم في المساجد حرًا لا يخضع لحُكم ملك أو أمير، ويتربَّى العلماء بين جدرانها أحرارًا لا يُراقبون إلا الله في عملهم، ولا يتأثرون بهوى حاكم، ولا تلين قناتهم لطاغية أو ظالم، فأراد بنو العباس أن يقضوا على هذا التقليد الكريم ويتولوا بأنفسهم أمر التعليم بين المسلمين، فأخذوا يُنشئون له المدارس بدل المساجد، ويحبسون عليها من الأوقاف الكثيرة ما يُرغِّب العلماء فيها ويجعل لهم سلطانًا عليهم، وأخذت الممالك التابعة لهم تأخذ بهذا في سُنَّتهم حتى صار التعليم خاضعًا للحكومات بعد أن كان أمره بيد الرعية، وكان لهذا أثره في نفوس العلماء، فنزلوا على إرادة الملوك ولم تقوَ نفوسهم على مُخالفتهم في رأيهم، أو توجيه شيء من النصح إليهم، وكانت المدرسة البيهقية أول ما أنشئ من تلك المدارس، فهي منسوبة إلى البيهقي المتوفى سنة 450 هـ، ثُمَّ أنشئت بعدها المدرسة السعيدية بنيسابور، أنشأها الأمير نصر بن سبكتكين، ثُمَّ أنشئت بعدها النظامية ببغداد، أنشأها الوزير نظام الملك سنة 459 هـ، وقد احتفل بافتتاحها احتفالاً عظيمًا.

إلى أن يقول: ثُمَّ جاء صلاح الدين الأيوبي لمصر، فقام بإنشاء المدارس فيها للتعليم، وأنشأ المدرسة الناصرية لتعليم مذهب الشافعي سنة 566 هـ، ثُمَّ أنشأ المدرسة الصلاحية بالقرافة الصغرى سنة 572 هـ بجوار الإمام الشافعي، وجعل لناظرها أربعين دينارًا في كل شهر، ورتَّب له في كل يوم ستين رطلاً من الخبز وراويتين من ماء النيل، ثُمَّ أنشأ مدرسة أخرى بجوار المشهد الحسيني، وجعل دار العباس العبيدي مدرسة للحنفيين]([71]).

وكان صلاح الدين يقصد من هذه المدارس كلها إلى إحياء مذهب أهل السنة والقضاء على مذهب الشيعة الفاطميين الذين كانوا يملكون مصر قبله، ورغَّب الناس فيها بالأوقاف التي حبسها عليها، فرغبوا فيها وأخذوا في تقليدها وهجروا ما عداها من المذاهب.

وقد جاء المستنصر العباسي([72])بعد هذا فأنشأ في بغداد المدرسة المُستنصرية سنة 625 هـ، وأنفق في بنائها أموالاً لا تُحصى حتى تم بناؤها سنة 631 هـ، فاحتفل بافتتاحها احتفالاً عظيمًا حضره بنفسه وحضر معه نائب الوزارة، وكذلك الولاة والحُجَّاب والقضاة والمدرسون والفقهاء، وشيوخ الربط والصوفية والوعاظ والقراء والشعراء، وجماعة من أعيان التجار الغرباء، واختير لكل مذهب من المدارس وغيرها اثنان وستون نفسًا، ورتَّب لها مدرسين ونائبي تدريس، وكان المدرسان محيي الدين محمد بن يحيى بن فصلان الشافعي، ورشيد الدين عمر بن محمد الفرغاني الحنفي، وكان نائبًا التدريس جمال الدين عبد الرحمن بن يوسف بن الجوزي، وأبا الحسن عليًا المغربي، وجعل لها ستة عشر معيدًا، أربعة لكل مذهب، وجعل ربع القبلة الأيمن للشافعي، وجعل ربع القبلة الأيسر للحنفية، وجعل الربع الذي على يمين الداخل للحنابلة، وجعل الربع الذي على يساره للمالكية، وقد شرط المُستنصر في وقفه عليها أن يكون عدد فقهائها مائتين وثمانية وأربعين، من كل طائفة اثنان وستون بالمُشاهرة الوافرة، والجراية الدارة، واللحم الراتب إلى غير هذا من وسائل الترغيب في هذه المذاهب([73]).

فأقبل الناس على دراستها وأهملوا غيرها من المذاهب التي لم يُقدَّر لها مثل هذه الأوقاف المغرية.

وهكذا أخذ الشباب والكهول يواصلون الدراسة على المذاهب الأربعة في مثل هذه المدارس، ويسمعون في خلال دراستهم طعونًا على أي مذهب آخر، فيمتلئون حقدًا على مَن لم يترك مذهبه لينتسب إلى أحد هذه المذاهب الأربعة، فكان ذلك من النتائج الأولى لتسلم صلاح الدين دفَّة الحكم في ظروف سياسية مرَّت بها دولة الفاطميين الذين تربَّى صلاح الدين وذووه في ظل عزهم، ولولا خدمتهم للفاطميين ما كانوا.

وقد تحوَّل صلاح الدين بشدَّة ومارس القسوة وهو يتربع على العرش الذي أؤتمن عليه، واتَّجه إلى سُنَّة السلاطين الآخرين الذين حكموا الأمَّة، فقسَّم المجتمع على طريقتهم، وأقام الدراسة في قاهرة المُعز على الطريقة المذهبية التي اتَّبع إشاعتها الحُكام.

حصيلة البحث

ظهر لنا ممَّا سبق أنَّ العامل الأساسي لتكوين الالتزام بمذهب مُعيَّن، وعدم الترخيص في استنباط الأحكام الشرعيَّة إنَّما هو السلطة، وأنَّ بقاء هذه المذاهب إنَّما يكون بتلك الوسائل المُشجعة، حتى كثُر أنصارها، ولو قُدِّرت عوامل الانتشار لغير المذاهب الأربعة لبقي لها جمهور يُقلِّدها أيضًا، ولكانت مقبولة عند مَن يُنكرها، ولكنَّها عُدمت رعاية السلطة فمُحيت من الوجود، إذ لا قابلية لها في ذاتها على البقاء بقوة بنائها أو قدرات أصحابها العلمية.

وقد فاز المذهب الحنفي بالتشجيع أكثر من غيره، فهو في العصر العباسي المذهب الذي ترجع الدولة إليه في مهمَّات التشريع، ورئاسة القضاء بيد أهل الرأي، لم يُشاركهم إلا القليل من سائر المذاهب، وبعد انقراض الدولة العباسية اعتنق المذهب سلاطين الأتراك عندما أرادوا انطباق اسم الخلافة الإسلامية عليهم، لأنَّ من شروطها أن يكون الخليفة قرشيًا طبقًا لحديث: [الخلافة في قريش]([74])، والحنفية لا يشترطون هذا الشرط.

وأول مَن تولَّى الخلافة الإسلامية من غير قريش هو السلطان سليم الفاتح العثماني عام 922هـ الموافق 1517م بعد أن تنازل له الخليفة محمد المتوكل على الله الثالث عن الخلافة، وبذلك جعل سليم الأول سلطانُ تركيا نفسَه خليفة للمُسلمين، وورث خلفاؤه من آل عثمان هذا اللقب.

واحتج الأئمَّة الحنفية في خلافة بني عثمان أنَّ الخليفة يتولَّى الخلافة بخمسة حقوق:

1ـ حقّ السيف.

2ـ حقّ الانتخاب.

3ـ حقّ الوصاية.

4ـ حماية الحرمين.

5ـ الاحتفاظ بالأمانات، وهي المخلفات النبوية المحفوظة في الآستانة.

وهم يقولون: إنَّ الآثار النبوية سلمت من اغتيال التتر في بغداد، فحملها الخليفة العباسي إلى القاهرة حتى نقلها السلطان سليم إلى القسطنطينية في صندوق من الفضة، وهي البردة النبوية، وسن من أسنان النبي (صلى الله عليه وآله) ، وشعرات من شعره، ونعاله (صلى الله عليه وآله) ، وبقية من العَلَم النبوي، وإناء من حديد، وجبَّة الإمام أبي حنيفة([75]).

وبهذا الشكل سارت عوامل انتشار المذاهب مع السياسة جنبًا لجنب، إذ الرغبة فيها منوطة بالقضاء ورغبة السلطة، حتى كثر التحوُّل من مذهب إلى مذهب تقرُّبًا للسلطان وطلبًا لرفده، وتحوَّل كثير من الشافعية إلى الحنفية لأجل الدنيا، وذلك أنَّ الأمير بلبغا بن عبد الله الخاصكي الناصري الأمير الكبير صاحب النفوذ والصولة كان يتعصَّب لمذهب أبي حنيفة، ويُعطي لمَن تحوَّل إليه العطاء الجزيل، ورتَّب الجامكيات الزائدة، وحـاول في آخـر عمره أن يُجلس الحنفي فـوق الشافعي([76]).

ولمَّا انتقل أبو البركات الحنفي إلى مذهب الحنبلي آذاه الحنفية، فانتقل إلى مذهب الشافعي قال المؤيد التكريتي في هجائه:

ألا مُبلـغ عنِّي الوزيـر رسالـة
تمذهبتَ للنعمان بعد ابن حنبل
وما اخترتَ رأي الشافعي تديُّنًا
وعمَّا قليـل أنتَ لا شـكَّ صائـر

 

وإن كان لا تجدي إليه الرسائـل
وذلـك لمَّـا أعوزتـكَ المآكـل
ولكنَّما تهوى الذي هو حاصل
إلى مالك فافهم لمـا أنـا قائـل(
[77])

 

وهذا أبو بكر البغدادي الحنبلي تحوَّل شافعيًا لأجل الدنيا، وولي القضاء، وكان أبو المظفر يوسف بن قرغلي سبط ابن الجوزي حنبليًا نقله الملك المُعظَّم إلى مذهب أبي حنيفة([78])، وكثير غيرهم.

وخلاصة القول: أنَّ تلك الوسائل المُشجعة للمذاهب الأربعة دعت الناس إلى الرغبة فيها والإعراض عمَّا سواها، ودعت أكثر الفقهاء الذين لهم أهلية الاستنباط أن يجمدوا على تقليد السلف وتعطيل موهبة الاجتهاد.

قال الشيخ أبو زرعة: قلتُ مرة لشيخنا البلقيني ما يقصر بالشيخ تقي الدين بن السبكي عن رتبة الإجتهاد وقد استكمل الآلة، وكيف يُقلِّد؟ لم أذكره هو استحياءً منه ولما أريد أن أرتِّب على ذلك.

فسكتَ عنِّي، ثُمَّ قلتُ: ما عندي إنَّ الامتناع عن ذلك إلا للوظائف التي قد قُرِّرت للفقهاء على المذاهب الأربعة، وأنَّ مَن خرج عن ذلك لم ينله شيء وحُرم ولاية القضاء، وامتنع الناس من استفتائه، ونُسب إلى البدعة، فتبسَّمَ ووافقني([79]).

ومن هنا قوبل مذهب أهل البيت (عليهم السلام) بتلك الهجمات العنيفة والحملات الظالمة، وأصبح الشيعة المُتمسِّكون بمذهب أهل البيت (عليهم السلام) عرضة لكل خطر، وغرضًا للتُّهم، وأصبح الشيعي في نظر أتباع السلطة خارجًا عن الإسلام، مُفارقًا جماعتهم، ولكنَّ الشيعة ثبتوا على أخذ تعاليم الرسول (صلى الله عليه وآله)  في أحكام الإسلام من طريق أهل البيت (عليهم السلام)، لأنَّهم عدل القرآن، والتمسُّك بهم من دعائم الإسلام، ففي اتِّباعهم الهدى، وهم كسفينة نوح وباب حطَّة.

وبذلك تحمَّلوا في سبيل المُحافظة على وصاية النبي (صلى الله عليه وآله)  في آله (عليهم السلام) وساروا على نهجهم، وبقي باب الاجتهاد مفتوحًا على مصراعيه، ومدرستهم مُستقلَّة عن سياسة السلطة وآراء الحُكام.

فإذا ما عُدنا إلى بدايات ضعف الحُكم الأموي، نرى الإمام الباقر (عليه السلام) يتعرَّض للأذى والمُضايقات، ويُحمل إلى مقر الجائرين في الشام وكان يصحبه ولده جعفر الصادق (عليه السلام)، ولأنَّ منهج الدعوة وأساليب العمل قد أخذت بالتطبيق على يد الإمام الباقر (عليه السلام) في ظل مُقتضيات الظروف ومُستجدات السياسة فإنَّه (عليه السلام) قرن بين السلوك الديني وبين الجانب الذي أراد الحُكام التحكم فيه وإخضاع أهل البيت وأنصارهم وهو الذي يتعلَّق بالإمامة بصيغة الخلافة ومُسميات السياسة، فقال (عليه السلام): [مَن عبد الله عبادة اهتمام وتعب ولم يعتقد بإمام عادل وأنَّه منصوب من الله فلا يقبل الله منه سعيًا]([80]).

أمَّا الإمام الصادق (عليه السلام) حيث ماج عصره بالتيارات الفكرية واشتدت فيه النزعات المُختلفة فقد اتجه إلى الأفكار ومُخاطبة العقول لشدِّها إلى أركان العلم وأصول الفقه بطريقة منهجية رائدة تتيح للعقول الإفلات من مخطط السلطة الزمنية، حتى عُرف عنه (عليه السلام) أنَّه كان يُجيب كل مَن يتوجَّه إليه بالسؤال مُراعيًا اهتمامات السائل ومقاصده، ثُمَّ يُقيم الإجابة على نحو من أغراض منهجه هو(عليه السلام)، فظنَّ مَن بهم جهالة أنَّه(عليه السلام) يقول بأقوال مُختلفة، وحاشاه(عليه السلام).

يقول الدكتور محمد كامل حسين: عُرف عن الصادق الاعتدال في الرأي والعقيدة بحيث يقبل آراءه كل مُسلم السني منهم والشيعي([81]).

 


 

([35]) تاريخ بغداد، للخطيب البغدادي، ج13 ص226 ؛ مؤتمر علماء بغداد، لمقاتل بن عطية، هامش ص205.

([36]) البداية والنهاية، لابن كثير، ج10 ص194.

([37]) أبو يوسف هو يعقوب بن إبراهيم بن حبيب بن خنيس بن سعد الأنصاري المتوفى سنة 182 هـ، ببغداد والمدفون في مقابر قريش، وهو أول مَن دُعي بقاضي القضاة، تولَّى القضاء لثلاثة من الخلفاء وهم المهدي وابنه الهادي والرشيد، قال محمد بن جرير الطبري: نحَّى قوم من أهل الحديث حديثه لغلبة الرأي عليه وتفريع الفروع والأحكام مع صحبة السلطان. وقال عمار بن أبي مالك: ما كان في أصحاب أبي حنيفة مثل أبي يوسف، لولا أبو يوسف ما ذُكر أبو حنيفة ولا محمد بن أبي ليلى، وهو الذي نشر قولهما. وعن ابن المبارك أنَّه وهاه، وعن يزيد بن هارون أنَّه قال: لا تحل الرواية عنه فإنَّه كان يعطي أموال اليتامى ويجعل الربح لنفسه. وأبو يوسف هو الذي عناه الشاعر بقوله: يا قاتل المسلم بالكافر... جرتَ وما العادل كالجائر. راجع تاريخ بغداد ج14 ص256 ؛ والانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء، لابن عبد البر، ص172 ؛ والأعلام، للزركلي، ج8 ص193.

([38]) خطط المقريزي ج4 ص144 ؛ أزمة الخلافة والإمامة وآثارها المعاصرة، لأسعد وحيد القاسم، ص267.

([39]) أبو يوسف، مركز المصطفى (ص)، صفحة الإمام الصادق لأسد حيدر ص161.

([40]) حكاه الشيخ أسد حيدر في كتابه الإمام الصادق... ج1 ص171.

([41]) المكافاة لابن الداية ص62، 63، 64، 116، 173.

([42]) الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء، لابن عبد البر، ص173.

([43]) محمد بن الحسن الشيباني المتوفى سنة 189 هـ، قال فيه أحمد بن حنبل: إنَّه مُرجئ، وردَّ شريك شهادته لذلك، وقد وقعت بينه وبين أبي يوسف مناكرة فكان يقول: محمد بن الحسن جهميّ، وقال محمد بن سعد الصوفي: سمعت يحيى بن معين يرميه بالكذب، وقال مُرَّة: إنَّه جهمي كذَّاب، وعن منصور بن خالد سمعت محمدًا يقول: لا ينظر في كلامنا مَن يريد الله. راجع لسان الميزان ج5 ص131 والوفيات ص324.

([44]) رسالة الإنصاف ص8 حكاه عنه السيد علي الشهرستاني في وضوء النبي (ص) ج1 ص377.

([45]) الحسن بن زياد اللؤلؤي: كذَّبه يحيى بن معين وأبو داود ومحمد بن عبد الله بن نمير، قال ابن المديني: لا يُكتب حديثه، وقال أبو حاتم: ليس بثقة، وقال الدارقطني: ضعيف متروك، وقال محمد بن حميد الرازي: ما رأيت أسوأ صلاة منه، وقال الخطيب: إنَّ الحسن ولي القضاء ولم يُوفَّق، فكان إذا جلس لا يفهم شيئًا، وعن إسحاق بن إسماعيل كنَّا عند وكيع فقلنا له: السنة مجدبة، قال: وكيف لا تجدب وحسن اللؤلؤي قاضٍ وحمَّاد بن أبي حنيفة قاضٍ.

([46]) حاشية رد المختار، لابن عابدين، ج1 ص72.

([47]) مسنون اللحية: طويلها.

([48]) مُتطلس: أي لابس الطيلسان، وهو كساء مدور أخضر لا أسفل له.

([49]) معجم الأدباء ج17 ص275 ؛ تاريخ مدينة دمشق ج51 ص285.

([50]) ربيعة بن أبي عبد الرحمن بن فروخ التيمي أبو عثمان المدني الفقيه المعروف بربيعة الرأي، روى عن أنس والسائب بن يزيد وابن المسيب، وروى عنه سليمان التميمي ويحيى بن سعيد القطان وسعيد والليث وخلق كثير، وكان أبوه فروخ خرج في البعوث إلى خراسان أيام بني أميَّة وربيعة حمل في بطن أمِّه، فقدم المدينة بعد سبع وعشرين سنة وهو راكب فرسًا، ودفع الباب برمحه فخرج ربيعة وقال: يا عدو الله أتهجم على منزلي، فقال فروخ: يا عدو الله أنت دخلت على حرمي، فتواثبا حتى اجتمع الجيران وكثر الضجيج، فبلغ مالك بن أنس، فقال مالك: أيها الشيخ لك سعة في غير هذه الدار، فقال الشيخ: هي داري، وأما فروخ فسمعت امرأته كلامه فخرجت وقالت: هذا زوجي وهذا ابني الذي خلفه وأنا حامل به، فاعتنقا جميعًا. قال سوار بن عبد الله: ما رأيتُ أحدًا أعلم من ربيعة الرأي، قيل: ولا الحسن وابن سيرين؟ قال: ولا الحسن وابن سيرين، وقال مالك: ذهبت حلاوة الفقه منذ مات ربيعة الرأي، وكانت وفاته في سنة 136 هـ بالهاشمية ودفن هناك، وقيل سنة 133هـ. راجع وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، لابن خلكان، ج2 ص288، 290.

([51]) المنتقى [شرح الموطأ]، للزرقاني، ج1 ص8.

([52]) وضوء النبي (ص) ، للسيد علي الشهرستاني، ج1 ص400.

([53]) أزمة الخلافة والإمامة وآثارها المعاصرة، لأسعد وحيد القاسم، ص267.

([54]) الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء، لابن عبد البر، ص42.

([55]) طبقات الفقهاء، لأبي إسحاق الشيرازي، ج1 ص68.

([56]) الموطأ، رواية محمد بن الحسن، ج1 ص29 ؛ تنوير الحوالك، لجلال الدين السيوطي، ص7.

([57]) الحقيقة الضائعة ج14 ص10.

([58]) نفس المصدر السابق.

([59]) هو أبو محمد يحيى بن يحيى الأندلسي، ويُعرف بابن أبي عيسى، سمع مالك بن أنس وجمع مسائله وكتب سماع بن القاسم من مالك، ثُمَّ انصرف إلى المدينة ليسمعه من مالك فوجده عليلاً، فأقام بالمدينة إلى أن توفي مالك، وقدم إلى الأندلس، وخالف مالكًا في كثير من المسائل، قال أحمد بن خالد: لم يُعط أحد من أهل العلم بالأندلس منذ دخلها الإسلام من الحظوة وعظم القدر وجلالة الذكر ما أعطيه يحيى بن يحيى، وتوفي سنة 233 هـ. راجع الإنتقاء في فضائل الأئمَّة الثلاثة الفقهاء، لابن عبد البر، ص59.

([60]) وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، لابن خلكان، ج6 ص144.

([61]) حكاه السيد علي الشهرستاني في وضوء النبي (ص)  ج1 ص400 عن الدهلوي في كتاب حجَّة الله البالغة.

([62]) فتح الباري، لابن حجر، ج7 ص114 ؛ تذكرة الموضوعات، للفتني، ص183 ؛ أعيان الشيعة، للسيد محسن الأمين، ج1 ص25 ؛ الشفاء الروحي، لعبد اللطيف البغدادي، ص215 وغيرها.

([63]) الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمَّة الفقهاء، لابن عبد البر، ص66.

([64]) أجوبة مسائل جار الله، للعلامة شرف الدين (قده)، ص83.

([65]) تاريخ ابن خلدون، لابن خلدون، ج1 ص448.

([66]) راجع سنن الترمذي، للترمذي، ج2 ص72 ؛ المستدرك، للحاكم النيسابوري، ج1 ص223 ؛ عون المعبود، للعظيم آبادي، ج14 ص14 ؛ الاستذكار، لابن عبد البر، ج3 ص46 ؛ شواهد التنزيل، للحاكم الحسكاني، ج1 ص26 وغيرها.

([67]) ولد محمد بن عبد الوهاب في بلدة العيينة سنة 1703م، وتلقَّى دروسه الأولى على يد أبيه قاضي العيينة، حيث أخذ عنه الفقه الحنبلي، وكان كثير المطالعة خصوصًا لكتب الشيخين ابن تيمية وتلميذه ابن القيم الجوزية، غادر بلاد نجد بعد زواجه متوجهًا إلى الحجِّ، ليزور المدينة بعد ذلك حيث أخذ العلم عن الشيخ عبد الله بن إبراهيم، وفي البصرة درس على الشيخ محمد المجموعي، وبدأ في نشر بعض أفكاره في التوحيد، فتجمَّع عليه أناس من رؤسائها وغيرهم فآذوه وأخرجوه منها، ثُمَّ استقر في حريملة وبدأ ينشر أفكاره المتعلقة بالتوحيد والشرك وتقديس الأولياء، فوقع بينه وبين أبيه مجادلات ومعارضات، ولم يكد ينتهي من تأليفه كتاب [التوحيد] حتى كان صيته قد ذاع بين القبائل والمدن النجدية.. فانطلق في دعوته. راجع السلفية بين أهل السنة والإمامية، للكثيري، ص305، 309.

([68]) راجع معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة ج1 ص455 ؛ مفهوم أهل السنة والجماعة ج1 ص338 ؛ جلاء العينين في محاكمة الأحمدين ج1 ص199 ؛ الفتاوى الكبرى ج10 ص3 ؛ مجموع فتاوى ابن تيمية ج4 ص281 ؛ تذكرة الحفاظ، للذهبي، ج1 ص362 ؛ سير أعلام النبلاء ج10 ص35 وغيرها.

([69]) الحوادث الجامعة، لابن الفوطي، ص216 ؛ حصر الإجتهاد، للطهراني، ص106، 107 ؛ تاريخ الفقه الإسلامي وأدواره، للسبحاني، ص68.

([70]) حكاه في أرشيف ملتقى أهل الحديث، 1، ص218 عن المقريزي في المواعظ والاعتبار ج3 ص390 ؛ السلفية بين أهل السنة والامامية ص110.

([71]) حكاه عن ميدان الاجتهاد الشيخ أسد حيدر في كتابه الإمام الصادق... ج1 ص182.

([72]) هو أبو جعفر منصور بن محمد الظاهر بأمر الله بن الناصر، ولد سنة 588 هـ، وبويع له سنة 623 هـ، وتوفي سنة 640 هـ . راجع : الأعلام، للزركلي، ج7 ص304.

([73]) راجع البداية والنهاية، لابن كثير، ج13 ص163.

([74]) مسند أحمد ج4 ص185 ؛ شرح مسلم، للنووي، ج12 ص201 ؛ مسند الشاميين، للطبراني، ج2 ص428 وغيرها.

([75]) تاريخ التمدُّن الإسلامي، جرجي زيدان،  ج1 ص109 ؛ الإمامة وأهل البيت (ع)، لمحمد بيومي مهران، ج1 ص69.

([76]) شذرات الذهب ج6 ص213.

([77]) مرآة الجنان ج4 ص34.

([78]) شذرات الذهب ج5 ص267.

([79]) وانقضت أوهام العمر، رواية بقلم السيد جمال محمد صالح، ج23 ص7.

([80]) الإمامة وأهل البيت (ع)، محمد بيومي مهران، ج3 ص23.

([81]) طائفة الإسماعيلية ص10.

 

أعلى الصفحة     محتويات العدد العشرون