السنة السابعة / العدد العشرون/ كانون أول : 2011 - محرم : 1433هـ

       رجوع     أرشيف المجلة     الرئيسية

 

صبر علي (ع) يوم الدار

سياسة إلهيّةٌ وسُنّةٌ نبويةٌ

 السيد محمد رضا شرف الدين 

 

كثيرةٌ هي الحوادث التي نالتها يد التزوير والافتراء، والأكثر منها ما يفترق عند نفيه وإثباته الناس في تحيز تمليه عليهم الميول والأهواء.

وكُلمّا كانت الحوادث مهيمنةً في آثارها على الأعصار، وكان أبطالُها وخصومُهم حاضرين في الساحة بحضور أشياعهم وأتباعهم كانت حوافزُ التشويش آكد، ودوافع الإنقاص والزيادة أقوى؛ ذلك أنَّ القضيّة آنئذٍ تخرج عن كونها مفردةً تاريخيّة محضةً لتُصبح مكوّنًا عقديًّا مستهدَفًا بُغيةَ تقويض الدّين الحقّ، ومادّةً سياسيّةً يتسلّحُ بها المتعاصرون المتخاصمون في عمليّة الاستغلاب على بعضهم البعض.

وقد لا يعني التاريخ ورجالاته لمن يبني عرشه على جماجم الألوف -فيسهل عليه اتخاذ التزييف أو الكتمان التاريخي ملاطًا لتشييد صرحه وتدعيم كيانه- إلا عدة وعتادًا يسلكون به إلى مصالحهم الضيّقة ومآربهم المحدودة بحدود النزوات والمؤطّرة بإطار الشهوات.

وقد تتنوع الأقنعة وتتعدد الألوان وتتكثر الأشكال: من لبوس العلم والمعرفة، فجلباب الدين، إلى أردية الإصلاح وأبراد التجديد؛ فينحو أصحابُها منهج التشكيك حتّى بالمسلمات التاريخية والثوابت العقدية إمّا لحساب السلطان، وإمّا لمحض المخالفة جِسرًا يَعبرُ بهم إلى الشهرة على قاعدة: (خالف تعرف)، وإمّا لحاجات في نفوسهم لا في نفس يعقوب (عليه السلام).

وهؤلاء أدهى رزيةً، وأقبح محضرًا، وأبشع منظرًا من الصنف الأول الذي يجاهر بتهالكه على الحكم والسلطان؛ ذلك بأنَّهم يرفعون لواءَ العلم والمعرفة، ويتظاهرون بالحرص على مصلحة الأمّة ورُقيّها، {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ}([1]).

إنَّ التفكير المنطقي والبحث العلمي والحوار الموضوعي لا يعدو كونه لعقًا على ألسنتهم، لا يتجاوز تراقيهم، ولا يطابق أفعالهم؛ فهم أبعدُ النّاس عن الموضوعية، والمنطق، والمنهج العلمي، بل لا ينطق عن حالهم أبلغُ مما جاء في قوله تعالى: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ}([2]) تمامًا كما هو الحال بالنسبة للحكومات الاستبدادية والأنظمة الديكتاتورية التي تتغنّى بالجماهيرية وتتسمى بالديموقراطية.

وببالغ الأسف نرى اليوم أنَّ كلا الصِّنفين -السياسي والفكري- هما المُتحكّمان بمصير الأمّة، يَسُدّانِ منافذَ تنفُّسها ويُلبّدان عليها آفاقها.

وها هما في مختلف أنحاء العالم الإسلامي يذهبان بها كلَّ مذهب، يُضحّيان بتاريخها، وتُراثها، وحقائقها، ووحدتها، بل بأصل وجودها قُربانًا لتحقيق رغباتهم.

وتالله لولا ما نهانا اللهُ به عن اليأس من رَوحه، ووعدنا به من أن يُحقَّ الحقَّ بكلماته، ويورثَ الأرضَ عباده الصالحين لطوَّق القُنُوطُ أجيادَنا ولذهب الإبلاسُ([3]) بحاضرِنا ومستقبلنا.

لكنَّنا آمنّا بالله، وصدَّقنا برُسُله، وكتبه، وقد قال عز من قائل:

{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}([4]).

وقال عز اسمه: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ..} ([5]).

هذا، ومع أنّّ النزاهة العلميَّة والموضوعية التحقيقية لم تجد مكانًا في قاموس هؤلاء، ولم تحتلّ مساحةً في ساحتهم، لكن الله يأبى للتاريخ إلا أن يحتضن الحقيقةَ مدّخرةً لطُلابها متحدّيًا المقاول اللاغطة والأقلام المزيفة. هذا.

ولم تتعرض واقعةٌ تاريخيةٌ -منذ غابر الزمان- لصنوف ألوان الحملات كما تعرضت له قضية ظلامة سيدتنا فاطمة الزهراء (عليها السلام)  بضعة الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وآله)  وبهجة قلبه وروحه التي بين جنبيه، بمختلف أشكالها تَبريريّةً تارةً وتأويليّةً طورًا وتعتيميّةً أخرى.

 * فهي بِكرٌ بين الحوادث، يكاد لا يُصدّقُ وقوعها إلا من تأمَّل في إرهاصات الانقلاب على الأعقاب وملابسات التحالفات القائمة بين الأحزاب غبّ غياب خاتم النبيين وأشرف الخلق أجمعين (صلى الله عليه وآله)  فاستنبط مكامن عواملها وضغائن عُمّالِها.

* وهي الفيصل المعرفي بين الصراط والسُّبُل: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}([6]) حيث مفترق الطرق بين الحق والباطل، فإمّا الثباتُ على المَودّةِ المفترضة الملازِمةِ لنبذ الولائج المخترعة، وإمّا إعلانُ التمرّد على المرسِلِ والرِّسالةِ والرَّسولِ، فالقضيّة لا تقبل الجمع بحال من الأحوال.

* وهي المبدِّدة لهالاتٍ ابتُدعت حولَ وجوهِ الظلامِ، إذ شبَّ الأطفالُ، وشابَ الشبابُ، وهرم الكهولُ، ومضى الشيوخُ على تقديس واهمٍ لقائمةٍ من المجرمين، وثلةٍ من الجناة وقد تعاقبت الأجيال على ذلك.

* وهي المزلزلة لما بناهُ أوائلُ المتسلّطين فنسج على منواله المتأخرون، وبثبوتها اضمحلالُ ما شِيدَ من نظرياتِ الحُكم والحاكميّة فيما يُسمّى بالأنظمة الإسلاميّة عبرَ العصور.

على أنَّ تلك الحملات كما تعدّدت في مظاهرها كذلك تعدّدت في مناشئها ومنطلقاتها.

وقد نبغ المعاصرون من المهاجمين في حملتهم اليوم؛ حيث انطلقوا من تعظيم أمير المؤمنين علي (عليه السلام) لينكروا أنباء الظُّلامات التي حلّت بسيدتنا الصديقة الشهيدة (عليها السلام) مما فاق محاولاتِ الأوَّلين في طمس الحقيقة.

وزُبدةُ زَبَدِهِم في هذا المقام هو أنّ أمير المؤمنين عليًا (عليه السلام)، فارس الفرسان، ومُجدّل الأبطال، في بدر وأحد والأحزاب، وداحي باب حصن خيبر، صاحب الصولة الحيدريّة، والقوّة الإلهيّة، والغيرة العلويّة كيف يُعقل أن تُقتحم داره، وتُضرب حليلته، وتُؤذى حبيبته، وتُختلس أمانته، ويُقاد بنجاد سيفه فلا يذب عن عرينه، ولا يدافع عن حريمه، بل يُسلِمُ أمرَه، ويُسلسُ قيادَ نفسه، فلا يُجرّدُ حسامًا ولا يُشرِع سِنانًا؟!

فركّبوا قياسًا قدّروه بعقولهم القاصرة -فقُتلوا كيف قدّروا، ثُمَّ قتلوا كيف قدّروا- من قياسين اقتراني واستثنائي.

أما الاقتراني فمُكوّنٌ من مقدمتين:

المقدمة الأولى: كلُّ غيور لا يصبر دون ضيمه واهتضامه وضرب عقيلته وترويع أطفاله.

المقدمة الثانية: عليٌّ (عليه السلام) غيور.

النتيجة: فعلي (عليه السلام) لا يصبر دون ضيمه واهتضامه وضرب عقيلته وترويع أطفاله.

ثُمَّ أخذوا النتيجة وجعلوها في القياس الآخر وهو استثنائي فقالوا:

كُلَّما ضيم علي (عليه السلام) واهتُضِم وضربت عقيلته وروّع أطفاله لم يصبر.

وضمّوا إليها مقدمةً أخرى وهي: لكنَّه صَبَرَ.

فكانت النتيجة: فعلي (عليه السلام) لم يُضَمْ ولم يُهتَضَمْ ولم تُضرَبْ عقيلتُه ولم تُروّعْ أطفاله.

وانخدع بهذه المغالطة البعض من البسطاء فاقتنعوا بنتائجها من منطلق حُبّهم لأمير المؤمنين (عليه السلام) وتعظيمهم إيّاه، واستغل ذلك المغرضون وطبّلوا وزمّروا لهذا الفتح المبين وخالوا أنّهم عفَّوا آثار الجريمة النكراء وبرّؤوا ساحة المجرمين.

لكن أنّى لهم ذلك وما جاؤوا به زَبَدٌ يذهب جفاءً، ولن يمكث في الأرض إلا ما ينفع الناس.

وما مثلهم إلا كمثل العنكبوت اتخذت بيتًا وإنَّ أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون.

وثائق من التاريخ

لسنا في هذه العجالة بصدد إحصاء الوثائق التاريخية على فاجعة يوم الدار، بدءًا من المتسالم عليه عند جميع أهل القبلة من المحاصرة والتهديد بالإحراق، بل والكشف الذي يحتمل جميع الجرائم المنقولة من طرقنا، حتى قال أوّلُ الواثبين مُتحسّرًا -عندَ مُشارفته على الرحيل إلى دار الجزاء- مقالةً سارت بها الرُّكبان: [ليتني لم أكشف بيت فاطمة، ولو أُغلقَ على حرب]([7])، إلى التفاصيل الأخرى المشهورة بلا خلاف بين أبناء مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) ومُلخّصُها العنفُ الجسديُّ الذي تعرّضت لهُ السيدةُ الصدّيقةُ الشهيدةُ فاطمةُ بنتُ رسول الله وما نتج عنه من قتل جنينها السِّبطِ المحسَّنِ (عليه السلام).

لكننا نكتفي قبل ردّ المغالطة بذكر بعض النماذج محيلين القارئ الكريم إلى المصنفات التي تولّت إحصاء الوثائق وسرد الوقائع([8]).

التهديد بإحراق الدار

والحقيقة الأولى التي لا يمكن لأحد من المخالفين إنكارها تفي بالمطلوب تمامًا؛ إذ إنّه وبعد الفراغ عن كون البضعة الزهراء (عليها السلام) ـ بحكم النصوص الكثيرة الصحيحة عند الفريقين والتي سنعرض عيّنةً منها لاحقاً ـ هي الوجود التنزيلي لأبيها الشهيد الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وآله)  فالمحاصرون لها محاصرون له، والمهددون لها مهددون له، والمتجاسرون عليها متجاسرون عليه.

ومن البديهي أنَّ حُكم الذين يحاصرون دار النبي (صلى الله عليه وآله)  ويهددون شخصه الشريف بالإحراق كحكم المتجاسرين عليه بالضرب والعاملين على قتله.

فتَحَصَّلَ أنَّ قضية تهديدها تكفي في الحكم على المهددين بما يحكم فيه على الضاربين وبذلك يُكتفى بثبوت التهديد عن كافة التفاصيل.

من وثائق التاريخ

- البلاذري (المتوفى سنة 224هـ) في أنساب الأشراف بسنده:

إنَّ أبا بكر أرسل إلى علي يريد البيعة، فلم يبايع، فجاء عمر ومعه فتيلة، فتلقته فاطمة على الباب، فقالت فاطمة: يا ابن الخطاب، أتراك محرقًا عَلَيَّ بابي؟!

قال: نعم، وذلك أقوى فيما جاء به أبوك([9]).

- ابن أبي شيبة (المتوفى سنة235هـ) في المصَنَّف:

[حين بويع لأبي بكر بعد رسول الله، كان علي والزبير يدخلان على فاطمة بنت رسول الله، فيشاورونها ويرتجعون في أمرهم، فلما بلغ ذلك عمر بن الخطاب، خرج حتى دخل على فاطمة فقال: يا بنت رسول الله، والله ما أحد أحبَّ إلينا من أبيك، وما من أحد أحبَّ إلينا بعد أبيك منك، وأيم الله ما ذاك بمانعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك أن أمرتهم أن يحرق عليهم البيت]([10]).

- ابن قتيبة الدينوري (المتوفى سنة276هـ) في الإمامة والسياسة:

[إن أبا بكر رضي الله عنه تفقد قومًا تخلفوا عن بيعته عند علي كرم الله وجهه، فبعث إليهم عمر، فجاء فناداهم وهم في دار علي، فأبوا أن يخرجوا، فدعا بالحطب وقال: والذي نفس عمر بيده، لتخرجن أو لأحرقنها على من فيها، فقيل له يا أبا حفص، إنَّ فيها فاطمة؟ فقال: وإن..]([11]).

- ابن أبي عاصم (المتوفى سنة 287هـ) في كتاب المذكر والتذكير والذكر:

حيث روى بإسناده أنَّ عمر بن الخطاب قال لسيدتنا فاطمة الزهراء (عليها السلام):

[..فقد بلغني أن هؤلاء النفر يجتمعون عندك وأيم الله لئن بلغني ذلك لأُحَرِّقَنَّ عليهم البيت.

فلما جاؤوا فاطمة قالت: إنَّ ابن الخطاب قال كذا وكذا فإنه فاعل ذلك]([12]).

- محمد بن جرير الطبري(ت 310هـ) في تاريخه:

[أتى عمر بن الخطاب منزل علي وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين فقال: والله لأحرقن عليكم أو لتخرجن إلى البيعة..]([13]).

- أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري (المتوفى 323) السقيفة وفدك:

[.. لمّا جلس أبو بكر على المنبر كان عَليٌّ، والزبير، وناسٌ من بني هاشم في بيت فاطمة، فجاء عُمَرُ إليهم، فقال: والذي نفسي بيده لتَخرُجُنَّ إلى البيعة أو لأحرقَنَّ البيتَ عليكم.] ([14])

- ابن عبد ربه (المتوفى سنة 328 هـ):

[... وأمّا عليٌ والعباس والزبير، فقعدوا في بيت فاطمة حتى بعث إليهم أبو بكر عمر بن الخطاب ليخرجهم من بيت فاطمة وقال له: إن أبوا فقاتلهم، فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار، فلقيته فاطمة فقالت: يا ابن الخطاب، أجئت لتحرق دارنا؟

قال: نعم، أو تدخلوا فيما دخلت فيه الأمة]([15]).

هذا طَرَفٌ مما رواه جملةٌ من أكابر علماء أتباع المهاجمين في التهديد بإحراق بيت بضعة الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وآله)  وهنا لا بُدَّ من تسجيل بعض الملاحظات:

أ- إنّ إقرار الأتباع باقتراف المتبوع عملاً ما، يورث الوثوق بوقوع ذلك العمل.

ب- إنَّ الأقلام السلطوية تحاول التخفيف من بشاعة ما صدر من السلطات مهما أمكنها ذلك، من خلال اعترافها بمستوى معين من الجرائم والمبادرة إلى اتهام مصادرِ الضحيّة بتضخيم الظُلامةِ الواردة عليها.

لكنَّ تلك التهمة لا تكاد تجد محلا فيما نحن فيه، كيف؟! والضحية في هذا المورد تأبى المقولة المكافيللية (الغاية تبرر الوسيلة) بل تؤمن بمبدأ (قليلٌ من الحق يغني عن كثير من الباطل) الذي سنّه لها لسان الله الناطق في أرضه، من لا يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه، خلافاً لمن يأتم بتلك السلطات التي لا ترعوي عن ارتكاب أيّة وسيلة في سبيل تحقيق مآربها اللامشروعة.

ثم إن جهة الإجرام جاءت بأعظم جريمة لا يمكن كتمانها وهي التوثب على مقام الخلافة الإلهيّة العظمى، تلك الجريمة التي تفوق كلَّ الجرائم والتي سَنّت مبدأَ شريعة الغاب بتكريس منهج المغالبة، وتغييب النصِّ الشرعي ومنطق الكفاءات العقلائي، واستعادة الحمية الجاهلية التي جهد النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله)  باستئصالها من خلال عظيم التضحيات منه ومن خُلَّص الصحابة الذين بذلوا مهجهم دون ذلك.

من ثَمَّ فإنَّ أيّةَ جريمة تقترف في هذه الأمة بل وغيرها إلى قيام الساعة فإنها تنتمي إلى تلك الجريمة التي هي أُمُّ الجرائم.

ومع ثبوت الأفظع والأشنع، ثبوتًا قطعيًّا لا يقبل التشكيك، لا تصل النوبة إلى التهويل باختلاق تهمة هي دون الجريمة الكبرى.

بناءً على ما تقدم يصلح ما تمَّ الاعتراف به -وهي حقيقة التهديد بالإحراق، والتي أقرت به أوساط السلطة- شاهدًا ومؤيّدًا لما نَصَّت عليه المصادرُ المستقلة أو مصادر المجنيِّ عليه وأنَّ القدر الذي كتمته من الجريمة هو أكثر وأكبر مما أقرت به كمًا وكيفًا.

ج- إنَّ حديث التهديد بالإحراق متواترٌ قطعيٌّ لا يناقِشُ فيه عاقلٌ فضلاً عن فاضلٍ وقد اتَّفَقَ على روايتِه وثبوتِه علماءُ أهلِ القبلة على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم وأمصارهم وأعصارهم وألسنتهم وأعراقهم.

 ولا ريب في أنّ التهديد بالإحراق ترويعٌ، فإن كان المهدَّدُ مؤمنًا كان التهديد من أعظم الكبائر، وقد ورد في الأحاديث الشريفة أنَّه: [مَنْ رَوَّعَ مؤمنًا لم يؤمِنِ اللهُ روعتَه يومَ القيامة، ومَنْ سعى بمؤمنٍ أقامه اللهُ مقامَ ذُلٍّ وخزيٍ يومَ القيامة]([16]).

كما اتفقت كلمة أهل العلم من المسلمين على أنَّ من شهر السلاح في وجه المؤمن فإنّه مهدورُ الدّم محارِبٌ حَدُّهُ القتلُ([17]).

 وما محاولة البعض من تخصيص ذلك بقُطّاع الطريق دون غيرهم إلا تَوَهُّمٌ محضٌ، والعموم في الموضوع سالم عن المخصص.

وإن قيل إنَّ المراد بالسلاحَ هنا هو المتعارف دون غيره، قلنا بأنَّ السلاح -المأخوذ موضوعًا في لسان الأدلة- لا ينحصر بالأدوات المتعارفة، بل يشمل -بمناسبة الحكم والموضوع- كلَّ الوسائل التي من شأنها التأثيرُ جَرحًا وقَتلاً كالعصا والحجارة ومنها قبسُ النّار، بل قد يكون من أشدِّها كما لا يخفى.

فتحصّل أنَّ حديث التهديد بمفرده كافٍ في ترتيب كافّة الآثار المترتبة على التفاصيل الأخرى التي سيوافيك طَرَفٌ منها، ولذا فإنَّ الخوض في سائر التفاصيل لا يعدو كونَهُ من نافلة القول.

د- تواترت الأحاديث الشريفة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)  بما يفيد أنَّ فاطمة الزهراء (عليها السلام) هي وجودٌ تنزيلي له وأنها جزءٌ لا يتجزأ من إنّيّته؛ فما يجري عليها من أحداث وما يصدر تجاهها من مواقف وسلوكيّات يكون بمنزلة ما يجرى عليه وما يصدر تجاهه؛ فيؤذيه ما يؤذيها، ويريبه ما يريبها، ويسخطه ما يسخطها، ومن أغضبها فقد أغضبه، ومن سَرَّها فقد سرَّه، ومن ساءها فقد ساءه، ومن آذاها فقد آذاه، ومن غاظها فقد غاظه([18]).

وبعد هذا كلِّه حقَّ القول منّا أنّه: من هدَّدَها فقد هدَّدَه، ومن حاصر بيتها فقد حاصر بيته، ومن جَمَعَ الحطبَ على باب دارِها فقد جَمَعَ الحَطَبَ على باب داره، ومن هَمَّ بإحراق منزلها فقد هَمَّ بإحراق منزله -صلوات الله تعالى عليه وعليها وعلى بعلها وبنيها- وعلى هذه فَقِسْ ما سواها.

 فما حكم من هدَّدَ رسولَ الله وهَمَّ بإحراق داره وكشف بيته عند كافة المسلمين؟

 أفتونا مأجورين.

 هـ- لقد قام المُهدِّدون بما قاموا به انتصارًا لبيعةٍ صرَّح رأسُهُم بأنّها فلتةٌ ذاتُ شرّ، حَكَمَ على الذي يعود إلى مثلها بالقتل([19])، ونحن عقلاء نعلم بأنَّ إقرارَ العقلاء على أنفسهم جائزٌ نافذٌ، كما نعلم بأنَّ حكم الأمثال في ما يجوز وما لا يجوز واحدٌ، وبذلك يكون قد أقرَّ على نفسه بأنَّه قام بما يحكم على فاعله بالقتل. أفلا يتدبرون؟!

و- إنّ محاولة بعضهم نفي تعرُّضِ الزهراء (عليها السلام) للعنف الجسدي أو التشكيك في ذلك بحُجّة أنَّه: (لو كان ذلك لما سكت أمير المؤمنين (عليه السلام) لأنَّ السكوت ينافي الغيرة والشجاعة) لا يمكن الالتزام به.

لأن وقوع التهديد الثابت بالتواتر القطعي عند كافة أهل القبلة -عامّةً وخاصّةً، معتزلةً وأشاعرةً وظاهريّةً وزيديّةً وإسماعيليّةً وإماميّةً- وإن كان يفترق عن المباشرة بالضرب كفعلٍ وما يستتبعه من ردة فعل، إلا أنّه يسانخه ولو بدرجةٍ أضعف، فيستدعي التصدّي لدفعه، وهذا ما لم يُنقل صدوره عن أمير المؤمنين (عليه السلام).

حيث إنَّ المصادر التي نقلت فعل المهدٍّد وما جرى بينه وبين الصديقة الشهيدة (عليها السلام) من حوار، لم تذكر قيام أمير المؤمنين (عليه السلام) بأية خطوة دفاعية ولو على المستوى القولي فضلاً عن الفعلي.

فإمّا أن يجوّزوا جميع ذلك، وإما أن ينفوا جميع ذلك، فلا مجال للتفصيل، إذ من الواضح غاية الوضوح أنَّ الغيرة التي تذرعوا بها لنفي العنف الجسدي تمنع من الصبر عن التهديد؛ فالمرء كما يهبُّ بدافع غيرته للدفاع عن أهل بيته في حال تعرُّضِهِم للضرب، فكذلك لا بُدَّ وأن يَهبَّ للدفاع عنهم وبدافع الغيرة أيضًا في حال تَعَرُّضِ البيت للمحاصرة والتهديد.

فهم إمّا غافلون عن بداهة وحدة المناط بين أن يُهدَّدَ المرءُ وعياله بالموت وبين المباشرة بذلك -ولو بدرجة أشد، حيث إنَّ الفرق بين الفرضين غيرُ فارقٍ في المقام- وإمّا أنّهم مُمَهٍّدون للتشكيك بالمُسلّمات التاريخية، يلتمسون وجوهَ تبرئة القوم من جرائمهم تدريجًا.

فاليوم ينفون أو يُشكّكون في ضربهم إيّاها ليشككوا غدًا في أصل التهديد، وقد يصلون فيما بعد إلى تصوير المسألة بأنَّ رأسَ المهاجمين كان قد جاء إلى باب دارها في زيارةٍ ودّيّة معزّيًا حامِلاً بيده طاقةً من الزُّهور البيضاء المحتزمة بوشاحٍ أسود!!!.

العنف الجسدي

 المشهور الذي لا خلاف فيه بين الإمامية من محدثين ومؤرخين وفقهاء وشعراء وعوام عبر العصور هو تعرض الصديقة الشهيدة (عليها السلام) للعنف الجسدي، ومن أراد أن يقف على صحة دعوانا هذه فليراجع المصنفات التي تقدم منّا ذكرها.

وبحسبك ما أفاده [شيخ الطائفة على الإطلاق] أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (قدس سره)  حيث قال: [..والمشهور الذي لا خلاف فيه بين الشيعة: أنَّ عمرَ ضربَ على بطنها حتى أسقطت، فسمي السقط مُحَسَّنًا، والرواية بذلك مشهورة عندهم.

وما أرادوا من إحراق البيت عليها، حين التجأ إليها قومٌ، وامتنعوا من بيعته.

وليس لأحدٍ أن يُنكر الروايةَ بذلك، لأنّا قد بيَّنّا الروايةَ الواردةَ من جهة العامة، من طريق البلاذري، وغيره. ورواية الشيعة مستفيضة به، لا يختلفون في ذلك]([20]).

ومن لم يأتِ منهم على ذكر ذلك في بعض مصنفاته أو ظهر منه عدم ثبوت ذلك عنده فلعوامل لا تخفى على العاقل اللبيب.

منها: أننا وفي مقام محاججة المخالفين من أتباع معسكر المهاجمين لا يمكننا إلزامهم بما ورد من طرقنا دون طرقهم مع أن الثابت عندهم كاف في إلزامهم، والدخول في مغبة إثبات القدر الزائد على المسلّم لديهم يعطيهم فسحة لتمييع المسلمات ليحرفوا البحث في جدلية عقيمة عن لوازم ما لا يقبل التشكيك وهي حقيقة التهديد التي تقدم الكلام عنها.

ومنها: الظروف القاسية التي طالما حكمت الساحة الإسلاميّة حيث كانوا يكتمون أنفاس أتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) بثقل الإرهاب السلطوي الذي عاد شبحه يتراءى للعيان في يومنا هذا.

إنَّ الإرهاب الفكري لم يقتصر في ضحاياه على علماء الشيعة بل ذهب ضحيته علماء أهل السنّة أيضًا، فقد تعرض الكثيرون منهم للحصار الاقتصادي أو الاغتيال الاجتماعي، وقد بلغ الأمر حدَّ التصفية الجسدية كما في قضية النسائي صاحب السنن حيث قتل في بلاد الشام لمجرد غمزه من قناة معاوية بن أبي سفيان، فكيف بمن يحدّث بمثالب من سبقه ممن يسمّون بالصحابة.

ومن الشواهد الكثيرة على ذلك ما رواه أبو الجارود -في هذا السياق- عن محمد بن عمرو بن الإمام السبط الحسن بن علي (عليه السلام) حينما سئل عن أبي بكر وعمر قوله: «قتلتم منذ ستين سنة في أن ذكرتم عثمان، فوالله لو ذكرتم أبا بكر وعمر لكانت دماؤكم أحلّ عندهم من دماء السنانير»([21]).

وأما قضية التهديد فلم يكن للقوم بُدٌّ من الإقرار بها في سبيل التعتيم على ما تلاها من جرائم، فالدول المهاجمة تعتمد أسلوب الكشف عن جزء من الحقائق التي تُدينُها مما لا يسعها إخفاؤه كثمنٍ لا محيص عنه في سبيل التغطية على جرائمها الأخرى وهذا ما هو متداول حتى عصرنا الحاضر، وبحسبك مراقبة إعلام الكيان الصهيوني الغاصب في كيفية تغطية جرائمه النكراء على أهلنا في جبل عامل وغزة هاشم، والإعلام الأمريكي المعتدي على عراقنا الحبيب وغيره.. والأمثال تُضربُ ولا تقاس.

وعلى رغم كلِّ الظروف الضاغطة التي تستدعي الكتمان فقد اشترك مع أعلام الإمامية في نقل الهجوم على سيدتنا الزهراء وضربها جملةٌ من أعلام غيرهم، كبعض علماء العامة ممن لا يتهمون في حق المهاجمين بل يتحزبون لهم وينتمون إلى معسكرهم، فضلاً عن أئمة الزيدية والإسماعيلية.

وهنا نأتي بكوكبة من هؤلاء على اختلاف مشاربهم ومذاهبهم:

1- إبراهيم بن سيار النظام المعتزلي البغدادي([22]):

[إنَّ عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتى ألقت الجنين من بطنها وكان يصيح أحرقوا دارها بمن فيه. وما كان في الدار غير علي وفاطمة والحسن والحسين]([23]).

يتبع =

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش

([1]) البقرة: الآية 11.

([2]) الشعراء: الآية 224-225.

([3]) الإبلاس: الحزن والانكسار راجع كتاب الصحاح للجوهري ج3 ص909 (التحرير).

([4]) النور: الاية 55.

([5]) الروم: الآية 60.

([6]) الأنعام: الآية 153.

([7]) السقيفة وفدك للجوهري ص75، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي ج6 ص51 وج20 ص24، تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر ج30 ص420، ميزان الاعتدال للذهبي ج3 ص109، لسان الميزان لابن حجر العسقلاني ج4 ص189، تاريخ الطبري ج2 619.

([8]) راجع على سبيل المثال: الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف للسيد رضي الدين ابن طاوس الحسني باب ما شهد به العامة على أنهم خالفوا وصايا نبيهم، نهج الحق وكشف الصدق للعلامة الحلي، بحار الأنوار للعلامة المجلسي كتاب الفتن والمحن الباب الرابع، الأربعين للشيخ محمد طاهر القمي الشيرازي باب تزييف الإجماع على بيعة أبي بكر، إفحام الأعداء والخصوم للسيد ناصر حسين اللكنهوي الهندي، فصل مبحث ظلم عمر على السيدة فاطمة، بيت الأحزان للمُحدّث القمي، مأساة الزهراء للسيد جعفر مرتضى العاملي، مظلومية الزهراء للسيد علي الميلاني، حوار حول الزهراء للسيد هاشم الهاشمي، الهجوم على بيت فاطمة للشيخ عبد الزهراء مهدي، ظلامة الزهراء في السنة والآراء للشيخ عبد الكريم العقيلي، موسوعة شهادة المعصومين للجنة الحديث في معهد باقر العلوم، المحسن السبط مولود أم سقط للسيد مهدي الخرسان، من حياة الخليفة عمر بن الخطاب لعبد الرحمن البكري.

([9]) أنساب الأشراف ج1 ص586.

([10]) المصنف لابن أبي شيبة الكوفي ج8 ص572.

([11]) الإمامة والسياسة لابن قتيبة ج1 ص19، تحقيق الدكتور طه محمد الزيني، ط مؤسسة الحلبي وشركاه.

([12]) المذكر والتذكير والذكر ص91 تحقيق خالد بن قاسم الردادي ط سنة 1413 دار المنار - الرياض.

([13]) تاريخ الطبري ج2 ص443.

([14]) السقيفة وفدك ص52 شركة الكتبي ـ بيروت ـ ط الثانية سنة 1413هـ.

([15]) العقد الفريد ج4 ص259، وتاريخ أبي الفداء ج1 ص56 و164، وراجع كتاب روضة المناظر لابن شحنة (ت 882) المطبوع بهامش الكامل في التاريخ.

([16]) الجامع الصغير للسيوطي ج2 ص605، الكامل للحافظ عبد الله بن عدي الجرجاني ج6 ص323، شرح السير الكبير للسرخسي ج1 ص20، كنز العمال للمتقي الهندي ج16 ص15، الكافي للكليني ج2 ص368، ثواب الأعمال للشيخ الصدوق ص256.

([17]) راجع على سبيل المثال: المحلى لابن حزم الأندلسي ج11 ص302، تفسير ابن كثير ج2 ص53، الدر المنثور للسيوطي، فتح القدير للشوكاني ج2 ص35، المبسوط للشيخ الطوسي ج8 ص47، السرائر لابن إدريس الحلي ج3 ص505، الجامع للشرايع لابن سعيد الحلي ص241، الروضة البهية للشهيد الثاني ج9 ص290.

([18]) راجع على سبيل المثال: صحيح البخاري ج4 ص210 و212 و219 وج6 ص158، صحيح مسلم النيسابوري ج7 ص141، صحيح ابن حبان ج15 ص406 و408 و536، سنن ابن ماجة القزويني ج1 ص644، سنن أبي داود السجستاني ج1 ص460، سنن الترمذي ج5 ص359 و360 ؛ سنن النسائي ج5 ص97 و146، المستدرك للحاكم النيسابوري ج3 ص159، السنن الكبرى للبيهقي ج7 ص307 و308 ج10 ص201 و288، المصنف للصنعاني ج7 ص301 و302، المصنف لابن أبي شيبة ج7 ص526، الآحاد والمثاني للضحاك ج5 ص361 و362، ومسند أحمد بن حنبل ج4 ص4 و326 و328، مسند أبي يعلى الموصلي ج13 ص134، فضائل سيدة النساء لعمر بن شاهين (المتوفى سنة 385هـ) ص30 و31 و33 و34 و35 و36، تثبيت الإمامة للهادي يحيى ابن الحسين الزيدي ص28، دعائم الإسلام للقاضي النعمان المغربي ج2 ص214 وكتابه شرح الأخبار ج3 ص30 و31 و59 و60 و61، الاعتقادات للشيخ الصدوق ص105 والخصال ص573 وعلل الشرائع ج1 ص186 و187 ومن لا يحضره الفقيه ج4 ص125، كفاية الأثر للخزاز القمي ص37 و64 و65، روضة الواعظين للشهيد الفتال النيسابوري ص150، الإيضاح للفضل بن شاذان الأزدي النيسابوري ص541، مناقب الإمام أمير المؤمنين لمحمد بن سليمان الكوفي ج2 ص200 و211، دلائل الإمامة لمحمد بن جرير الطبري الشيعي ص135، الأمالي للشيخ المفيد ص260، التعجب لأبي الفتح الكراجكي ص134، الأمالي للشيخ الطوسي ص24.

([19]) راجع على سبيل المثال: صحيح البخاري ج8 ص26، المصنف لابن أبي شيبة ج8 ص57، تثبيت الإمامة للهادي يحيى بن الحسين الزيدي ص13، سنن النسائي ج4 ص272، صحيح ابن حبان ج2 ص148 و157 شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي ج2 ص26 و50 وج6 ص47 وج11 ص13 وج12 ص147 وج13 ص224 وج20 ص21، المواقف للإيجي ج3 ص600 و611، كنز العمال للمتقي الهندي ج5 ص651، تمهيد الأوائل للباقلاني ص495، تاريخ اليعقوبي ج2 ص158، تاريخ دمشق لابن عساكر ج30 ص283 و285، العثمانية للجاحظ ص196 و286، غريب الحديث لابن سلام ج3 ص355، النهاية في غريب الحديث ج3 ص467، شرح الأزهار للإمام أحمد المرتضى الزيدي ج1 ص26، دعائم الإسلام للقاضي النعمان المغربي ج1 ص85، الإيضاح للفضل بن شاذان الأزدي النيسابوري ص134 و138 و516، الاحتجاج للطبرسي ج1 ص381 وج2 ص153 و235، مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب السروي ج3 ص430 و462، العقد النضيد لمحمد بن الحسن القمي.

([20]) تلخيص الشافي ج3 ص156.

([21]) تقريب المعارف للحلبي ص252 وبحار الأنوار ج30 ص388.

([22]) عالمٌ كبيرٌ من علماء المعتزلة وأحد فرسان أهل النظر، مصنّفٌ مُكثرٌ مُجيد وشاعرٌ مُفلِقٌ مُبدعٌ ومفكّرٌ حاذقٌ دقيقٌ، يمتازُ بالتحرر من نير التقليد، والغوص في النصوص والآثار، جريءٌ في إبداء آرائه، تلمّذ الجاحظ عليه، وأخذ منه، وكان يعظمه مع تخطئته له في جملة من آراءه الجريئة.

تعرض إلى هجوم عنيف من قبل مقلدة العامة لكنَّ كلَّ ذلك لا يخدش في إقراره لكونه متعصّبًا للمتوثبين، يدين بولايتهم ويدافع عنهم ويقدسهم، بل بآرائه تلك شَيَّدَ دعائمَهم بما لم يقدر عليه أصحاب الحديث ومتكلمو الأشاعرة، وذلك بفذلكاته واستدلالاته التي قد تنطلي على كثير من العقلاء، بخلاف تحكّمات جمهور العامّة وتناقضاتهم الواضحة.

توفى سنة231 للهجرة. وأشد ما نعوه عليه هو إقراره بتلك الحقيقة التي جهدوا في إخفائها.

([23]) الوافي بالوفيات للصفدي ج6 ص15، الملل والنحل لمحمد بن عبد الكريم الشهرستاني الشافعي ج1 ص57.

 

 

أعلى الصفحة     محتويات العدد العشرون