العدد الثالث / 2005م  /1426هـ

     رجوع     محتويات هذا العدد     أرشيف المجلة     الرئيسية

.

تتمة مقال = الإمامة والحياة

ولعلنا إذا أردنا أن نُفرد الكلام، وننظم البيان، بشأن الآثار المترتبة على الإمامة والإمام، نخلص إلى ما يلي:

أولاً: ارتباط التكاليف بالإمامة، فإن العقل يدين بأن الآدميين يصلحهم التكليف ويعود عليهم بالنفع العميم والخير الوفير، وهو غير حاصل من غير طريق نصب الحجّة وإيضاح المحجّة.

ثانيًا: إن نظم الأمر، وسياسة الرّعية، وإقامة العدل، وانتصاف المظلوم من الظالم، وسواه مما يجري مجراه، لا يتم إلا بنصب الإمام.

ثالثًا: إقامة الحجة، وإيضاح وتبليغ الرسالة، ودعوة الأنام لعبادة العلام لا يتم إلا بالإمام.

رابعًا: ما يمكن أن يستفاد من قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}([1])، فإنه إن أريد منها مطلق ما يتحقق به مفهوم العبادة مثل صلاة العوام وحَجّهم وغيرهما من العبادات التي يمكن أن تُسقط أوامرها أو تؤجر مؤديها، فإن غير الإمام لا معرفة له بوجوه العبادة إلا عن طريق الإمام، فهذا الفرد من العبادة مع قصوره، وربما إمكان سلب المعنى عنه ولو بوجه، مع ذلك لا تحقّق له إلا بالإمام المعرِّف والمبيِّن لما هو من العبادة ولما هو ليس منها.

وإن أريد بالعبادة الفرد الأكمل والأتمّ، فهو باعتباره ليس منفصلاً عن دواعيه من العلم بالله وأمره، ومن طهارة الذات التي يفعل بها العلم فعل الماء في التراب فتنبت من كل زوج بهيج، خشوعًا وخضوعًا وقربًا وخوفًا وفَرَقًا ورجاءً، وغير ذلك، بحيث تكون عبادةً أتم وعبادةً أكمل وعبادةً جامعة لكل ملازمات المعنى {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ}([2])، وقوله تعالى: {قََدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ...}([3])، إلى آخر ملازمات إقامة الصلاة وتأديتها التي لها لوازم ولوازم لا تعدّ ولا تحصى.

فإن هذا الفرد من العبادة غير متحقّق جزمًا، وغير واقع حتمًا من غير الأطهار المعصومين، محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الطيبين (عليهم السلام)، هذا فضلاً عن أن أخذ العبادة بمعناها الأشمل على قاعدة {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}([4])، غير متحقّق إلا بهم بما هم معلّمون، والفرد الثاني غير متوفر إلا منهم فإنهم الواجدون لداعيه، يقول الإمام علي (عليه السلام): (لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقينا)([5]) ويقول أيضًا: (إلهي ما عبدتك خوفًا من نارك، ولا طمعًا في جنتك، بل وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك)([6]).

وكيف كان، فإن غرضنا أن نقول: بأن العبادة التي جعلت علّة غائية للخلق والإيجاد، سواء كانت العبادة على نحو الفعلية الدائمة أو كان يكفي تحقّقها ولو آنًا ما، هي غير حاصلة بغير الحجة والإمام والهادي والدليل.

وأخيرًا.. إن جميع هذه الآثار المرتبطة بالإمامة، والمترتّبة عليها، قد صرّحت بها الروايات، ونطقت بها المأثورات فضلاً عن الآيات المباركات، التي تبلغ إلى ثلث القرآن.

فمن تلك الروايات، ما عن إمامنا علي بن موسى الرضا (عليه السلام)، يذكر فيها بعض مقامات الإمامة وشؤونها:

(... إن الإمامة هي منزلة الأنبياء، وإرث الأوصياء، إن الإمامة خلافة الله وخلافة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ومقام أمير المؤمنين عليه السلام، وميراث الحسن والحسين عليهما السلام، إن الإمامة زمام الدين، ونظام المسلمين، وصلاح الدنيا وعزّ المؤمنين، إن الإمامة أسّ الإسلام النامي، وفرعه السامي، بالإمام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد، وتوفير الفيء والصدقات، وإمضاء الحدود والأحكام ومنع الثغور والأطراف.

الإمام يحلّ حلال الله، ويحرّم حرام الله ويقيم حدود الله ويذبّ عن دين الله، ويدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة والحجة البالغة، الإمام كالشمس الطالعة المجلّلة بنورها للعالم وهى في الأفق بحيث لا تنالها الأيدي والأبصار)([7]).

وعن الإمام أبي عبد الله الصادق (عليه السلام):

(ما جاء به عليّ عليه السلام آخذ به، وما نهى عنه أنتهي عنه، جرى له من الفضل مثل ما جرى لمحمد صلى الله عليه وآله، ولمحمد صلى الله عليه وآله الفضل على جميع من خلق الله عز وجل، المتعقّب عليه في شيء من أحكامه كالمتعقّب على الله وعلى رسوله، والرادّ عليه في صغيرة أو كبيرة على حدّ الشرك بالله، كان أمير المؤمنين عليه السلام باب الله الذي لا يؤتى إلا منه، وسبيله الذي من سلك بغيره هلك، وكذلك يجري لأئمة الهدى واحدًا بعد واحد، جعلهم الله أركان الأرض أن تميد بأهلها، وحجّته البالغة على من فوق الأرض ومن تحت الثرى، وكان أمير المؤمنين صلوات الله عليه كثيرًا ما يقول: أنا قسيم الله بين الجنة والنار، وأنا الفاروق الأكبر، وأنا صاحب العصا والميسم، ولقد أقرّت لي جميع الملائكة والروح والرّسل بمثل ما أقرّوا به لمحمد صلى الله عليه وآله، ولقد حملت على مثل حمولته، وهي حمولة الربّ، وإن رسول الله صلى الله عليه وآله يُدعى فيكسى، وأُدعى فأُكسى، ويُستنطق وأُستنطق فأنطق على حدّ منطقه، ولقد أعطيت خصالاً ما سبقني إليها أحد قبلي، علمت المنايا والبلايا، والأنساب وفصل الخطاب، فلم يفتني ما سبقني، ولم يعزب عني ما غاب عني، أبشّر بإذن الله وأؤدّي عنه، كل ذلك من الله مكّنني فيه بعلمه)([8]).

لذا نعتقد - نحن الإمامية - بأن الإمامة بما لها من مقامات وشؤون ومزايا، سواء في زمن الحضور أو الغيبة لا يمكن أن تَصلُح الحياة إلا بها.

وعندما تفتقد حياة المجتمعات إلى الإمامة الجامعة لا يعني ذلك إلا ضياعها وبعدها عن صراط الحق والاستقامة.

انتهى
 

ـــــــــــــــــــــــــــــ

 [1]- الذاريات الآية 56.

[2] - العنكبوت آية 45.

[3] - المؤمنون الآيات 1-2-3.

[4] - الأنعام آية 162.

[5] - مناقب آل أبي طالب ابن أبي شهر آشوب 1/317.

[6] - عوالي اللئالي 1/20.

[7] - مسند الإمام الرضا (ع)- الشيخ عزيز الله عطاردي 1/98.

[8] - باب الأئمة هم أركان الأرض ج1 كتاب أصول الكافي ص 196.

 

أعلى الصفحة     محتويات العدد الثالث    أرشيف المجلة     الرئيسية