العدد الثالث / 2005م  /1426هـ

     رجوع     محتويات هذا العدد    أرشيف المجلة     الرئيسية

.

تتمة مقال = الهلال الجديد

تحت الشعاع (تحت شعاع الشمس)

قلنا إن القمر في آخر الشهر القمري يبدأ بالاقتراب من الشمس تدريجيًا حتى يختفي تحت شعاع الشمس، ثم يستمر بالاقتراب من الشمس ظاهريًا أكثر فأكثر حتى لحظة الاقتران.

ثم تبدأ رحلة الخروج من تحت الشعاع حيث يتكوّن على القمر قوس النور، فتبدو لنا حافّة النصف المضيء (المقابل للشمس) أو حافّة وجه القمر المضيء بسبب الشمس، لكن دقّة قوس النور (سمك الهلال) تمنع الراصد من رؤيته بسبب قوّة نور الشمس وضعف نور الهلال الجديد وقربه من الشمس إلى أن يسير في المدار ويبعد عن الشمس بقدر يصير معه قابلاً للرؤية بشكل هلال.

المحاق:

وهو مرحلة اختفاء الهلال عن الأبصار في فترة الدخول تحت الشعاع ثم الاقتران وتستمر حتى الخروج من تحت الشعاع.

ثم إن فترة الدخول تحت الشعاع تساوي فترة الخروج من تحت الشعاع، ويسمي البعض (تحت الشعاع) بجزئيها باسم المحاق، وذلك بلحاظ انمحاق نور القمر، علمًا بأن فرصة رؤية الهلال فجرًا في آخر الشهر تكون أسهل (مع تشابه العوامل) من الرؤية مساءً بسبب قلّة التلوث الناتج من حركة الناس ودخان المصانع .. الخ، مع ملاحظة فارق بينهما وهو أن الفترة السابقة للدخول تحت الشعاع يرى فيها الهلال عند الفجر، وإن الفترة التالية للخروج من تحت الشعاع يرى فيها الهلال عند المساء.

إن مدة المكث تحت الشعاع تبدأ من خروج القمر من الاقتران إلى أن يسير في المدار ما يقرب من اثنتي عشرة درجة، وهو ما كان يراه الشيخ البهائي (قدس سره)، وحيث إن سير القمر في المدار يستغرق ما يقرب الساعتين في كل درجة، فإذن يخرج القمر من تحت شعاع الشمس بعد أربع وعشرين ساعة تقريبًا، كما وأن المحاق يبدأ عندما يتناقص البعد الزاوي بين الشمس والقمر إلى اثنتي عشرة درجة فما دون، فتكون فترة المحاق أو تحت الشعاع بهذا التقدير حوالى 48 ساعة، وقدّر بعض الفقهاء المتأخرين الفترة بست وثلاثين ساعة: من جهة أنه ثمانية عشر ساعة قبل الاقتران ومثلها بعده.

ولادة الهلال (خروج القمر من تحت الشعاع):

وهي خروج القمر من تحت الشعاع وتوفّر الحدّ الأدنى من النور الذي يجعله قابلاً للرؤية والذي تحدّده الحسابات.

وتتوفر الآن على الصعيد العلمي عدّة ضوابط لعلماء مسلمين ولعلماء غربيين مبنية على أسس عملية، بتحققها يمكن القول بإمكانية رؤية الهلال وهي تراكمات لجهود علماء قدامى ومعاصرين.

إن الخروج من تحت الشعاع يحدث في وقت واحد بالنسبة لسكان الأرض، أما رؤية الهلال فإنها تختلف من موقع لآخر، فإذا غربت الشمس وكان القمر قد خرج من تحت الشعاع أمكنت الرؤية، والرؤية تكون عسيرة للغاية إذا كان القمر قد خرج للتوّ من تحت الشعاع، وكلما كانت الفترة بين الاقتران وغروب الشمس أطول، كلما زادت فرصة رؤية الهلال عيانًا، وأحيانا تكون الفترة طويلة، ومع ذلك لا يتكوّن النور الكافي في الهلال، أو يكون ارتفاعه فوق الأفق قليلاً بحيث لا تمكن الرؤية في بعض الأماكن.

ولا بد من الإشارة إلى أن إمكانية رؤية الهلال لا تختلف من مكان لآخر فحسب، بل من شهر لآخر، إذ إن الهلال القابل للرؤية في اليمن قد لا يرى ببغداد، أو أن الهلال قد يرى في إندونيسيا ولا يرى في بيروت كما سيأتي وكما سنرى في هلال شهر رمضان 1426 القادم.

ويمكن حساب وقت ولادة الهلال رياضيًا، وهو وقت الخروج من تحت الشعاع، حيث تمكننا العلوم الحديثة والمعطيات المتوفرة والأرصاد المدونة الموثوقة من إعطاء ضابطة.

رؤية الهلال صباحًا:

مما تقدم يتضح أن الهلال إذا رؤي صباحًا، فمن المستحيل أن يرى بعد غروب الشمس في نفس اليوم، وذلك لأن الهلال المرئي صباحًا يدل على أن الهلال لم يدخل تحت شعاع الشمس بعد، وبالتالي فإنه يحتاج إلى فترة زمنية للدخول تحت الشعاع، ثم فترة أخرى مثلها للخروج من تحت الشعاع، وهذه الفترة على أقل التقادير المسجلة تبلغ حوالى 30:48، وبالتالي فإن فترة النهار بين شروق الشمس وغروبها أقل من هذا الوقت بكثير، لذا لا تلتمس رؤية الهلال في نفس اليوم.

عمر الهلال عند الرؤية:

لقد اختلف الفلكيون في تحديد الزمن اللازم مروره من وقت الاقتران إلى وقت التمكّن من رؤية الهلال رؤية بصرية في الجوّ الصحو تمامًا وبالبصر الطبيعي والحواس السليمة.

ولما كان الهلال القابل للرؤية يرتبط بمجموعة شروط منها "البعد الزاوي" - أو "بعد سُوى" كما كان يسمى في التراث الإسلامي - والمكث بعد غروب الشمس، وارتفاع الهلال، وكذلك لمكان القمر في المدار حول الأرض (الأوج أو الحضيض)، ولعرض القمر دور في سرعة زيادة النور في الهلال، كما أن لحالة الجو وحدّة البصر والخبرة بالمنزلة أثرها الكبير في إمكانية الرؤية.. ولذلك كلّه قد يرى الهلال في ظروف وقد لا يرى في ظروف أخرى.

أقل عمر أو أقل مكث للهلال كي يرى عند غروب الشمس:

مكث الهلال: هو الفترة الزمانية بين وقت غروب القمر وغروب الشمس، وفي الليلة الأولى لرؤية الهلال يكون مكثه أقل من ساعة، لذا يقاس  بالدقائق الزمنية، وكلما كان مكث الهلال فوق الأفق أكثر، كلما كانت الرؤية أسهل، وتصعب الرؤية كلما قلّ زمن مكث الهلال بعد غروب الشمس حتى تصبح مستحيلة عندما لا يكون هناك مكث للهلال أي إن القمر يغرب قبل غروب الشمس، ويشار إلى الحالة الأخيرة في الجداول بالعلامة السالبة (-):

1- أقل فترة منقضية على الاقتران حتى غروب الشمس (عمر الهلال) كانت 15:24 ساعة ومكث 22 دقيقة، وتبين للباحثين إن هذه القراءة كانت لهلال رصد فجرًا سجّلها جوليوس شميث بالعين المجردة عام 1871، والبحوث الحديثة أفادت بإمكانية رؤية هلال عمره أقل من هذا، ولكن المكث الضئيل (22 دقيقة) لم يتحقق للآن.

2- أما باستخدام المنظار الثنائي (المزدوج العينية) فكانت 13:28 ساعة.

3- وأما باستخدام التلسكوب (المقراب) فكانت 12:07 ساعة.

4- الشيخ بهاء الدين العاملي: 24 ساعة (النظرية القديمة).

5- بعض الفقهاء المعاصرين: 18 ساعة، والمفهوم أن هذه أقل فترة بدءً من الاقتران تقبل بعدها الشهادة بالرؤية، بحيث ترفض الشهادة إذا كان عمر الهلال أقل منها، فهي شرط استبعادي، ومن المفيد الإشارة إلى أن هذا الشرط قلما يطبّق.

6- الخواجا الطوسي: البعد المعدل 10 درجات أو ما يعادل مكثًا قدره 40 دقيقة.

7- ابن الشاطر: 21:49 ساعة ومكثًا قدره 50 دقيقة.

8- أما بالرصد بالأجهزة الحديثة المبرمجة بالأقمار الصناعية والتي تتجه نحو قرص القمر بدقّة، فقد صار بالإمكان رؤية الهلال قبل الغروب وبعمر 12 ساعة تقريبًا بعد الاقتران مع توفّر شروط وظروف الرؤية القياسية (صفاء الجو... الخ).

فتبين - وفقًا لنظرية القدامى - أن عمر الهلال الوليد يجب أن لا يقل عن 24 ساعة كي يكون قابلاً للرؤية لأن القمر يقطع درجتين من مداره في الساعة في المعدل، وفي الدراسات الحديثة تمّ رصد هلال بعمر أقل من هذا بكثير، وذلك من قبل مختصّين.

ملاحظة: إن معيار العمر هام لقبول الشهادة بالرؤية أو ردّها ولكن لا يمكن الاعتماد عليه لتأكيد دخول الشهر الجديد.

إضاءة القمر تعتمد على البعد الزاوي:

تعتمد إضاءة جزء القمر المرئي لنا من سطح الأرض على بعد القمر الزاوي عن الشمس، وعندما يكون الهلال في ليلته الأولى تكون إضاءته خافتة للغاية، وعندما يكون بدرًا تكون الإضاءة كاملة، أما عندما يكون في التربيع الأول أو الأخير فتكون مساحة الجزء المضيء خمسين بالمائة (أي أنّ نصف مساحة الوجه المقابل لنا مضيء فقط).

إن إضاءة القمر العظمى تحدث عندما يكون بدرًا، أما عندما يكون في الربع الأول أو الأخير فالمتوقع أن تتناسب الإضاءة مع المساحة، فتكون إضاءة القمر في الربع الأول تساوي نصف إضاءة البدر، فمع أن مساحة الجزء المضيء من القمر هي نصفه، إلا أن المشاهد أن الضوء المنعكس لا يتعدّى العشرة بالمائة من الإضاءة العظمى، وهذا النقصان الحادّ في اللمعان يحدث بسبب وعورة سطح القمر الذي يؤدي في حال السقوط المائل للأشعة إلى تظليل شديد في المنخفضات بينما يعطي السقوط العامودي إضاءة كافية.

وهذا يفسر لماذا تكون إضاءة الهلال في الليلة الأولى ضعيفة للغاية وخصوصًا عندما تكون إضاءته حوالى سبعة بالألف أي أن الجزء المضاء حوالى سبعة بالألف من جرم القمر المرئي وهي إضاءة الهلال المحسوبة في أول أو آخر الشهر القمري.

إن إضاءة الهلال المحسوبة رياضيًا في أول أو آخر الشهر تقريبية، وتظهر أخطاء معتبرة خصوصًا عندما تقلّ الإضاءة حسابيًا عن سبعة بالألف، وذلك بسبب عوامل ثانوية تتسبّب بها خواصّ السطح القمري التي تجعل المساحة المرئية فعليًا أقلّ مما تتنبّأ به المعادلة الرياضية.

لذا فإن استعمال كمية إضاءة القمر يؤدي إلى أخطاء جسيمة في تقدير زمن رؤية الهلال الجديد كما يقول الدكتور نضال قسوم في كتابه إثبات الشهور الهلالية، وهذه المشكلة لا تحدث لو كان سطح القمر متجانسًا.

يتبع =

أعلى الصفحة     محتويات العدد الثالث    أرشيف المجلة     الرئيسية