تمهيد:
إن الحسابات
الفلكية المتعلقة بولادة الهلال متفق عليها ولا نزاع فيها،
وأما إمكانية الرؤية فلا ضابطة لها، لأنها تابعة لتقدير
جملة من المتغيّرات والظروف المحيطة بالهلال بعد ولادته،
والتي تكون حدًّا فاصلاً بين إمكانية الرؤية وعدمها، وهذه
غير متفق عليها، بل هي محل خلاف.
فالرؤية
البصرية للهلال
لا
تتحقق
-مع انتفاء الموانع- إلا
بتوفر شروط
أربعة هي:
1- ولادة
الهلال المعتبرة قبل غروب الشمس.
2- والمكث
بعد غروب الشمس.
3- وخروجه
من تحت شعاع الشمس.
4- وظهور
النور فيه.
إلا أن
المتغيرات التي
لها
دخالة
في إمكانية الرؤية كثيرة:
فمنها: البعد
الزاوي (بُعد سُوى) ؛ المكث بعد غروب الشمس ؛ ارتفاع
الهلال ؛ عمر الهلال ؛ مكان القمر في المدار حول الأرض
(الأوج والحضيض) ؛ ولعرض القمر أثر مهم في الرؤية ؛ كما أن
لظروف الجوّ وحدّة بصر الراصد وخبرته أثرها الكبير في
إمكانية الرؤية.
ولذلك قد
يُرى الهلال في ظروف ولا يُرى في ظروف أخرى، ومن هنا رأينا
الحاجة إلى إلقاء الضوء على العناوين التالية:
البعد الزاوي المعتبر لإمكانية الرؤية
لا يزال
البعد الزاوي المعتبر لإمكانية الرؤية محل خلاف:
فعند الفلكيين القدامى:
أن الهلال إذا بعد عن الشمس بمقدار اثتني عشرة درجة أو أقل
بقليل أو أكثر بقليل، خرج عن تحت الشعاع وصار قابلاً
للرؤية.
والمعروف عند
المحققين: أن أقل مقدار له هو عشر درجات.
وأما في علم الفلك الحديث:
فقد
أفادت البحوث المقدَّمة إلى مؤتمرات الأهلّة التي عُقدت في
استانبول والكويت أنه سبع درجات، شريطة أن يكون ارتفاع
الهلال لحظة غروب الشمس خمس درجات فأكثر كي يكون قابلاً
للرؤية، وقد ارتأى بعض علماء الدين زيادة البعد الزاوي إلى
ثمان درجات احتياطًا، ولكنه احتياط غير مبرر علميًا.
إلا أن هذه
الحدود (7درجات، 10درجات، 12درجة) لا تزال محلّ خلاف
ومثارًا للجدل، لأنها محض حسابات لم تخضع للتجربة، ولذا لم
تطبّق في العالم الإسلامي إلى الآن.
المكث بعد غروب الشمس
وهو الفترة
الزمانية بين وقت غروب القمر وغروب الشمس، وفي الليلة
الأولى لرؤية الهلال يكون مكثه أقل من ساعة، لذا يقاس مكثه
بالدقائق الزمنية. وكلما كان مكث الهلال فوق الأفق أكثر،
كلما كانت الرؤية أسهل، وتصعب الرؤية كلما قلّ زمن مكث
الهلال بعد غروب الشمس، حتى تصبح ممتنعة([i])عندما
لا يكون هناك مكث للهلال، أي عندما يغرب القمر قبل غروب
الشمس، ويشار إلى الحالة الأخيرة في جداول مكث الأهلّة
بالعلامة السالبة ( - ).
الإجهاض:
لا بد
للهلال من مكث بعد غروب الشمس مسبوق باقتران لكي تتحقق
الرؤية الشرعية، ولكن في بعض الأحيان يكون الهلال غير
مولود ومع ذلك فله مكث يسير بعد غروب الشمس. هذا المكث لا
يعتد به لأنه مكث قبل الاقتران، يسمّي الدكتور العجيري -
الفلكي الكويتي المعروف - هذه الظاهرة بـالإجهاض، ولا
اعتبار لهذا المكث الضئيل والذي يحدث قبيل الاقتران وبواقع
مرّة أو مرّتين في السنة في الموقع الواحد، وهو ليس الهلال
الذي يثبت به الشهر الجديد، والذي يميّزه عن هلال الشهر
الجديد هو أن قَرْنَيه متجهان إلى الأسفل وتحدّبه إلى
الأعلى، أما الهلال الجديد فتحدّبه يكون إلى اليمين أو
الأسفل وبالتالي فقرناه إلى الأعلى أو لليسار. والسبب في
هذه الظاهرة هو العرض العالي للقمر الذي يكون متوافقا مع
جهة الراصد (عرض شمالي وموقع شمالي أو عرض جنوبي وموقع
جنوبي).
إذن الإجهاض
هو: المكث الضئيل الذي يحدث للهلال بعد غروب الشمس في بعض
الأحيان قبيل الاقتران. وينبغي الإشارة إلى أن هذا الهلال
لا يمكن رؤيته
بالعين المجردة
ولكن تحدده الحسابات.
ارتفاع الهلال
لا يمكن رؤية
الهلال الوليد ما لم تزد زاوية ارتفاعه عن الأفق الأقرب عن
خمس درجات، إلا أن هذا أمر لم يخضع للتجربة والمسألة ما
زالت محل عدم اتفاق.
عمر الهلال
هو الزمن
المنقضي منذ وقت الاقتران أو
وقت
الهلال الجديد
New moon.
(وقد
تعرضنا له مفصلاً في مقالة سابقة نشرت في رسالة النجف
السنة الأولى العدد الثالث) .
الأوج والحضيض للقمر
وهما وصفان
(للأرض) بالإضافة لبعدها أو قربها عن (الشمس) في مدارها
السنوي حول الشمس. ويوصف بهما (القمر) بالإضافة لبعده أو
قربه عن (الأرض) في مداره الشهري، والمهم هنا هو بيان أوج
القمر وحضيضه، لعلاقته الوثيقة بما نحن فيه، ونتعرض لوضع
الأرض قربًا وبعدًا بالنسبة للشمس إتمامًا للفائدة، فنقول:
قد تلاحظ
المسافة بين القمر والأرض، فيقال:
القمر في
الأوج (الذنب): أبعد مسافة بين القمر في مداره الشهري وبين
الأرض.
القمر في
الحضيض (الرأس): وهو أقرب مسافة بين القمر في مداره الشهري
وبين الأرض.
وقد تلاحظ
المسافة بين الأرض والشمس، فيقال:
الأرض في
الأوج: أبعد مسافة (بين) الأرض (وبين) الشمس في مدارها
السنوي حول الشمس.
الأرض في
الحضيض: أقرب مسافة (بين) الأرض (وبين) الشمس في مدارها
السنوي حول الشمس.
وتكون الأرض
خلال السنة مرة واحدة في الأوج ومرة واحدة في الحضيض، تكون
الأرض في الأوج يوم 2-6 من شهر يوليو/ تموز من كل عام.
وتكون في الحضيض يوم 2-4 من شهر يناير/ كانون الثاني من كل
عام.
أما القمر
فيكون خلال الشهر الواحد مرة واحدة في الأوج ومرة واحدة في
الحضيض، ويتكرر ذلك 13 مرة تقريبًا خلال السنة.
وإذا كان
القمر في الأوج تكون سرعته بطيئة. أما إذا كان في الحضيض
فتكون سرعته عالية، مما يساعده في الإسراع في زيادة البعد
الزاوي، وبالتالي زيادة النور فيه، ولذلك فإن وجود القمر
في الحضيض أو قريبًا منه يعتبر من العوامل المساعدة على
رؤية الهلال.
ثم إن المهم
مما قدمناه هو بيان أوج القمر وحضيضه، لعلاقته الوثيقة بما
نحن فيه.
العُقدة الصاعدة والعُقدة الهابطة
إن مستوى
مدار القمر يميل عن مستوى مدار الأرض بزاوية تتغير من 4:57
إلى 5:20 درجة بسبب تأثير جاذبية الشمس والأرض، أي معدل
هذه
الزاوية
5:09 درجة، فلهذا يتقاطع المداران في نقطتين تُدعيان
بالعقدة الصاعدة والعقدة النازلة استنادًا إلى حركة القمر
شمالاً ، أو جنوبا نسبة إلى مدار الأرض، ونتيجة لذلك فإن
ميل القمر عن خط الاستواء الأرضي يتغير أيضًا ومقدار هذا
التغير يتراوح بين 18:27 إلى 28:27 درجة، والسبب في ذلك هو
أن القمر يميل عن مدار الأرض بحوالى 5:09 درجة وأن مدار
الأرض يميل عن خط الاستواء بمقدار 23:27، فلهذا يكون تغيّر
ميل القمر (من 23:27 + 5:09 =28:36) درجة كحدٍّ أعلى
و(23:27 – 5:09 = 18:18 درجة) كحدٍّ أدنى.
السبب في رؤية الهلال مرتفعًا تارة عند عبوره الزوال
ومنخفضًا تارة أخرى
يعود السبب
في رؤية الهلال مرتفعًا تارة عند عبوره الزوال ومنخفضًا
تارة أخرى إلى الميل . فيكون مرتفعًا إذا كان الميل
شماليا بحده الأعلى والموقع شماليًا (كما هو الحال في
بلدان نصف الكرة الشمالي ) ويكون منخفضًا إذا كان الميل
جنوبيًا وفي حده الأدنى والبلد شماليًا . يكون الهلال في
الكويت عاليًا جدًا وقريبًا من قمة الرأس ( السمت )، وهذا
في حدّه الأعلى ، أما
في
لبنان فيكون أقل علوًا من الكويت دائمًا .
وضع القمر في المحاق (عرض القمر والخسوف والكسوف)
يميل مدار
القمر على دائرة البروج بمقدار 5 درجات و48 دقيقة و43
ثانية (5،1467 درجة بالمعدل)، بسبب تأثير جاذبية الشمس
والأرض، وهو ما يصطلح عليه بعرض القمر.
وتسمّى نقاط
تقاطع مدار القمر مع دائرة البروج بالعقدتين الصاعدة
والنازلة، فإذا كان القمر في إحدى العقدتين أو قريبًا منها
(عند الاقتران) حدث كسوف للشمس، وإذا كان القمر (بدراً) في
إحدى العقدتين أو قريباً منها حدث خسوف القمر.
وعليه فإن
القمر في حالة المحاق (أي اجتماع الأرض والقمر) يكون في
أحد وضعين:
أحدهما:
اجتماع الأرض والقمر في درجة واحدة من برج واحد وعلى عرض
واحد، وفي هذه الحالة ينتج كسوف محقّق.
الثاني:
اجتماع الأرض والقمر في درجة واحدة من برج واحد مع اختلاف
العرض شمالاً أو جنوبًا، أي يحصل الاقتران في غير العقدتين
أو ليس قريبًا منهما .
وسبب كونه
في أحد هذين الوضعين: أن القمر تختلف نسبة حركته إلى منطقة
البروج فتارة يميل إلى الجنوب (هبوطًا) وأخرى يميل إلى
الشمال (ارتفاعًا).
ولولا هذا
الميل عن دائرة البروج لحدث كسوف عند أول كل شهر قمري (أي
عند الاقتران)، وخسوف في وسطه (أي عند الاستقبال).
وفي النهار
الذي يحدث فيه الكسوف لا تُقبل الشهادة بالرؤية إذا وقع
الكسوف قرب الغروب، لأن الكسوف هو اقتران مرئي بين الشمس
والقمر، فرؤيته تعتمد وتتوقف على خروج القمر عن تحت الشعاع
وعوامل أخرى.
أثر الغلاف الجوي على إمكانية الرؤية
يؤثر الغلاف
الجوي للأرض على الضوء الآتي من القمر فيمتصّ جزءًا منه،
حيث تقلّ إضاءة الهلال بسبب الغلاف الجوي، وخاصّة في طبقة
التروبوسفير (الطبقة المناخية) التي يبلغ متوسط ارتفاعها
11 كلم فوق سطح البحر، وهي الطبقة التي تحدث فيها الظواهر
الجويّة كالضباب والغيوم والأمطار والدخان والملوّثات.
وعند آخر
درجة أو درجتين من غروب الهلال (وهي مسافة قريبة من
الأفق)، فإن سمك هذه الطبقة أفقيًا، قد يصل إلى 400 كلم
بدلاً من 11 كلم.
وفي أحسن
الظروف الجوية أي في ظروف وجود ضباب خفيف، فإن 1% من ضوء
الهلال سيصلنا من خلال هذا العمود الأفقي الهائل من هذه
الطبقة الهوائية، أي جزء من عشرة آلاف جزء من هذا الضوء.
أما إذا كان الضباب كثيفًا فإنه يحجب الشمس فضلاً عن
الهلال، فلا يمكن رؤيتهما.
كما أن
الغلاف الجوي يؤدّي إلى انكسار أشعة الضوء، فتبدو الشمس
والقمر والأجرام الأخرى أكبر حجمًا كلما اقتربت من الأفق،
وقد تكون قيمة الانكسار الأفقي كبيرة لدرجة أن الشمس
تتواجد في الأفق مرتفعة عن مكانها الحقيقي بأكثر من قطرها.
كما أن
الحرارة والضغط الجوي ورطوبة الهواء تؤثر على درجة
الانكسار.
وللعلم فإنّ
هناك بعض الظواهر البصرية الأخرى تتسبّب عن تأثيرات الغلاف
الجوي، منها على سبيل المثال: هالتا الشمس والقمر، وشفق
الفجر والعشاء، واحمرار السماء عند الشروق والغروب.
إضاءة القمر:
يبلغ الضوء
المنبعث من القمر جزءًا من 456000 من ضوء الشمس(حوالى جزء
من نصف مليون جزء من إضاءة الشمس). إذ يُبدي القمر أقصى
لمعانٍ عندما يكون بدرًا وهي الإضاءة الكلية للقمر وهو ما
يعادل إضاءة شمعة على بعد مترين.
ونور القمر
عندما يكون على أشدّه في حالة البدر لا يكون شيئًا مذكورًا
أمام إضاءة الشمس، لدرجة أن وجه السماء كله - وهو يوازي
مائة ألف من المساحة الظاهرية لقرص البدر - لو كان مضيئًا
بنفس إضاءة القمر عندما يكون بدرًا، لما زاد عن خُمس ما
تضفيه الشمس من ضوء على سطح الأرض.
يتبع =
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
|