العدد الخامس/ 2006م  /1427هـ

     رجوع     أرشيف المجلة     الرئيسية

.

تتمة مقال = إمكانية رؤية الهلال

تأثير إضاءة الأرض على القمر:

عندما يكون القمر هلالاً فإنه يمكن تمييز الجزء غير المضيء من سطحه ظاهرًا بخفوت، ومرجع ذلك إلى ظاهرة يسمّيها الفلكيون (الإضاءة من الأرض)، وذلك أن سطح القمر المضيء يظهر لنا لامعًا لسقوط أشعة الشمس مباشرة عليه وانعكاسها إلى الناظر إليه من الأرض.

إلا أن هناك مصدرًا آخر غير مباشرٍ لسقوط أشعة الشمس على سطح القمر، وذلك بعد سقوطها على الأرض وانعكاسها إلى سطح القمر (الضوء المنعكس من البحار والمساحات المغطاة بالثلوج البيضاء والغيوم واليابسة)، ثم انعكاسها من سطح القمر ثانية إلى عين الراصد من أهــل الأرض، ونظرًا لهذه السلسلة من الانعكاسات المتتالية تبدو (الإضاءة من الأرض) خافتة ولكن بقدر يسمح بتمييز بقية سطح القمر غير المضيء، هذه الإضاءة تسمى الإضاءة الرمادية للقمر.

إن القمر يُرى جليًا في الليالي الأولى (فيكون هلالاً مع إضاءة خافتة لباقي القرص) وذلك في حالات صفاء الجو بحيث لا يؤثّر سطوع الهلال على رؤية باقي إضاءة قرص القمر الرمادية، و بعد مضي هذه الليالي فان زيادة نور القمر يحجب رؤية الإضاءة الرمادية لقرص القمر.

الجزء المضيء من جرم القمر:

كل كوكب إذا أشرق على كوكب آخر أصغر منه يكون نصف الطرف المستشرق من الكوكب الأصغر المواجه أكبر من الطرف الأخر المظلم غير المواجه للكوكب المشرق.

وعلى هذا فإن الأرض بمقابلتها للشمس يكون الجزء المضيء منها أكثر من نصفها، والقمر أيضًا يكون الجزء المضيء منه أكبر من نصفه.

إن الجزء المقابل للشمس من القمر يكون مضيئًا ويسمى نهارًا قمريًا.

قوس النور (سمك الهلال):

هو القدر المضيء من القمر أي سمك الهلال أو الجزء المرئي من الضوء على سطح القمر.

ويبدأ عادة الجزء المرئي على شكل هلال دقيق ثم يكبر حتى يصير بدرًا ثم يصغر حتى يصير هلالاً ثم يختفي النور بالكامل بالنسبة لأهل الأرض فيقال إن القمر في المحاق، وفي هذه الحالة يكون قوس النور صِفرًا.

دائرة النور:

هي كلُّ الجزءِ المضيء من القمر، ونحن نرى من القمر أكثر من نصفه (حوالى 59 % من المساحة السطحية من القمر على ما تدل عليه الحسابات)، وذلك نتيجةً لكون القمر جرمًا صغيرًا بالنسبة للشمس، لذا يكون الجزء المضاء أكثر من نصفه، إذن فما نشاهده من على سطح الأرض هو أكثر من نصف المساحة السطحية من القمر، بمعنى أننا نرى جزءًا من النصف الآخر من القمر.

الهلال المطوق:

يلاحظ عندما يكون الهلال دقيقًا في أوائل الشهر القمري أن هناك خيطًا رفيعًا من الضوء يحيط بالقمر كأنه حزام له.

والسبب في ذلك أن الجزء المُضاء من القمر أكبر من نصفه بهذا القدر الضئيل الذي يُرى كطوق ضئيل النور، وذلك نتيجة لكون القمر جرمًا صغيرًا بالنسبة للشمس ولكون الجزء المُضاء أكثر من نصفه كما تقدم، ويختفي هذا الطوق كلما زاد سمك الهلال بسبب زيادة النور.

وعدم رؤية الطوق في الليلة الأولى يعود إلى الارتفاع القليل فوق الأفق.

أما في الليالي التالية فإن الهلال يكون أعلى فيمكن رؤية الطوق إذا كان الجوّ صحوًا.

إذن فرؤية الطوق دليل على زيادة البعد الزاوي وبالتالي قد يدل على أن عمر الهلال قد تجاوز الليلة فلكيًا.

 وزيادة في الفائدة فإنه عند حدوث الكسوف الكلي وعندما يكون القمر في الحضيض فإنه بالإمكان رؤية طوق القمر، ويمكن رؤية الفوهات والجبال والوديان وذلك بالمناظير والتلسكوبات مع الأخذ بالاحتياطات اللازمة لسلامة العين.

نور الهلال أول ليلة:

إن نور الهلال يقاس منسوبًا إلى جرم البدر الكامل، ولضآلته في الليالي الأولى يكون التقدير بنسبة محسوبة بالألف، والتي تكون أقل من عشرة بالألف غالبًا.

ولتصور ضآلة هذا المقدار نفترض أن إضاءة القمر كانت ثمانية بالألف من جرم البدر الكامل، وعلينا أن نتصور قرصًا دائريًا عليه ألف خيط منها 992 خيطًا أسود، وثمانية خيوط بيضاء ويبعد عنا 400 ألف كيلومتر وعلينا أن نرصد هذه الحزمة التي لا تتجاوز الثمانية بالألف من هذا البعد الشاسع، هذا هو معنى أن نسبة الضوء ثمانية بالألف من جرم البدر الكامل، والتي علينا رصدها في الليلة الأولى.

لماذا يرى البعض الهلال ولا يراه الآخرون:

هناك قلة من الناس يتمتعون بتركيب بيولوجي مميّز في العين، كأن تكون عندهم خلايا تفرّق بين الألوان المتقاربة بدرجة أكثر بكثير عن غيرهم، ويبلغ عدد هذه الخلايا عشرة ملايين خلية تقريبًا، مما يمكّنهم من رؤية الهلال إذا كان موجودًا في السماء، وهؤلاء يرون الهلال على الحقيقة.

السبب في التعارض بين الشهادة بالرؤية وإخبار الحاسب بعدم وجود قمر أصلا في الأفق لحظة الرصد

قد لا تكون الرؤية أحيانا مطابقة للحساب، وذلك بلحاظ ما يلي:

أولا: أن بعض من يشهد بالهلال قد لا يراه ويشتبه عليه، أو يرى ما يظنّه هلالاً وليس بهلال، فإن بعض الكواكب كالزهرة مثلاً ترى عند المغيب في بعض الأوقات على شكل هلال تمامًا فيظنّها الراصد - الذي لا علم له بتشكل الزهرة ووقت غروبها - هلالاً، مع أن جهة التقوّس تخالف جهة تقوّس القمر (لا ترى هذه التفاصيل إلا بالأجهزة).

 ثانيًا: أن بعض من يشهد، قد تُريه عينُه ما لم يرَه حقيقة في الخارج، وهذا ثابت في علم البصريات فإن الإنسان إذا حدّق مدة طويلة إلى شيء دقيق وبعيد فإنه يتوهم وجوده، وذلك بمساعدة تداعي الصور من مركز تخزينها في دماغ الإنسان. ويرى آخرون خيالاً لهلالٍ، وتسمى هذه الظاهر"تداعي الأبصار".

ثالثًا: التشويشات المستجدة على رؤية الأهلة في هذا العصر مثل إنكدار الآفاق بسبب حركة المواصلات وأبخرة المصانع وتأثير دخان الملاحة الجوية التي لا تخلو الأجواء منها، فدخان الطائرات يتشكل قِطَعًا صغيرة متفرّقة فتعكس ضوء الشمس، وعلى قدر ارتفاع تلك العوادم تستمرّ الشمس مشرقة عليها، فتُنير كما يُنير الهلال فتُرى على شكل أهلة، وهذا مشاهد ومحسوس، فعندما تمرّ الطائرة فإن عمود الدخان المنطلق منها يُشاهد خطًا أبيض يحسبه الرائي سحابًا ممتدًا ثم تتقطع بعد ذلك، فإذا غربت الشمس يظل نورها واقعًا عليها لفترة بسيطة فترى كالأهلة.

رابعًا: نسبة الرطوبة الشديدة، فإنها من جملة المشوشات للنظر، فإن الرطوبة الشديدة تعكس حالة شبه تلألؤ يحسبه الرائي هلالاً وكذلك الغيوم والفتحات المتشكلة بينها..

ومما يدل على هذا أن الهلال المدّعى رؤيته في هذا الحال لا يُرى إلا في بقعة واحدة، دون بقاع العالم الإسلامي الأخرى وخصوصًا المناطق الواقعة غرب منطقة ادعاء الرؤية. مع أن الهلال إذا رُؤي في بقعةٍ ما، فإنه يجب أن يرى في البقاع الواقعة غرب تلك البقعة بوضوح أكثر.

والوقائع أشارت أكثر من مرة إلى مثل هذا الاشتباه، حيث تًدَّعى الرؤية في البلدان الشرقية فتصوم أو تفطر، وفي اليوم التالي للرؤية إما أن لا يشاهد الهلال أصلاً أو يشاهد بصعوبة، فلو كان الهلال مرئيًا على الحقيقة في الليلة السابقة لكان أشد وضوحًا في الليلة التالية.

فهذه المستجدات العصرية وأمثالها قد تركت أثرًا واضحًا في التشويش على رؤية الأهلة، فيجب الاحتياط من هذه المؤثرات تحقيقًا للرؤية الصحيحة وتخلصًا من بلوى الرؤيا الوهمية.

انتهى المقال

 

أعلى الصفحة     محتويات العدد الخامس    أرشيف المجلة     الرئيسية