صفة الأرض المعطاة:
إن الأراضي
التي كان (صلى الله عليه وآله) يُقطعها على أقسام هي:
أ
-
أراضِ موات هي لله ولرسوله، وقد جعلها الله ورسوله لمن
أحياها وفقًا لقوله (صلى الله عليه وآله): (من غرس شجرًا،
أو حفر واديًا بديًا، لم يسبقه إليه أحد، أو أحيا أرضًا
ميتة فهي له، قضاء من الله ورسوله)([1]).
وثمة
أحاديث أخرى أيضًا تشير إلى ذلك، فلتراجع في مظانها([2]).
ب -
الأنفال:
وهي الزيادات، وتكون في الأموال، مثل الديار الخالية،
والقرى البائدة، وتركة من لا وارث له، وتكون في الأرضين
أيضًا. وهي على ما ذكره الفقهاء، ودلّت
عليه الأحاديث، تشمل الأرض المحياة التي تُملك من الكفار
من غير قتال، سواء انجلى عنها أهلها، (أو سلّموها
للمسلمين طوعًا).
وتشمل الأرض
الموات عرفًا، سواء أكانت معمورة، ثم انجلى عنها أهلها، أو
لم يجرِ
عليها مُلك،
كالمغاور، وسيف البحار، ورؤوس الجبال، وبطون الأودية([3])..
ج -
الفيء: هو ما يُرجع أو يُرد من أموال الكفار وأراضيهم إلى
مالكه الأصلي من دون إيجاف خيل ولا ركاب.
والفيء لله
ولرسوله، وليس لأحد فيه حق. وللرسول أن يملِّك منه ما شاء
لمن شاء..
وهناك كلام
في تداخل هذين القسمين الأخيرين، فإن ما سلّموه
للمسلمين طوعًا هو الفيء، وقد تقدم: أنه قسم من الأنفال
أيضًا. ولسنا بصدد البحث والمناقشة في ذلك.
إن
الإقطاعات التي كانت من رسول الله (صلى الله عليه وآله)
إنما كانت من هذه الأقسام المتقدمة، ولم يكن ليُقطع
أحدًا من مال حاضر النفع ظاهر العين، لأن هذا لا مجال
لإقطاعه، إلا على سبيل التأليف على الإسلام، وهذا إنما كان
بالنسبة لأفراد قليلين جدًا أكثرهم من أهل مكة، وكان الهدف
إنهاء شغبهم على الدين وأهله، وإبعاد أذاهم، ولم تكن
الإقطاعات في أكثرها تدخل في هذا السياق..
إعتراضات وإجابات:
وقد يسجل على هذه الإجابة إعتراضات:
الأول:
قد ورد: أن النبي (صلى الله عليه وآله) حين ورد المدينة
أقطع الناس الدور.
وهذا معناه:
أنه قد أقطع
من مال ظاهر العين، حاضر النفع.
والجواب:
أنه إنما أقطعهم مساحات من الأرض، ليبنوا عليها دورهم([4])،
وذلك بعد أن وهبت الأنصار كل فضل كان في خططها([5]).
وقد ذكر ياقوت الحموي:
أنه (صلى الله عليه وآله) كان يقطع أصحابه هذه القطائع فما
كان في عفا الأرض فإنه أقطعهم إياه، وما كان في الخطط
المسكونة العامرة فإن الأنصار وهبوه له، فكان يقطع من ذلك([6]).
وقال الحلبي الشافعي:
(خط للمهاجرين في كل أرض ليست لأحد، وفيما وهبته الأنصار
من خططها)([7]).
الثاني:
قد يعترض على ذلك أيضًا بما ورد من أنه (صلى الله عليه
وآله) أقطع أرضًا ذات نخل وشجر([8]).
وهذا معناه:
أنه كان يقطع الناس من مال حاضر النفع ظاهر العين.
والجواب:
أولاً:
قال ياقوت: أقطع الزبير بن العوام بقيعًا واسعًا([9]).
والبقيع:
هو الموضع الذي فيه أروم الشجر، يعني أصوله من ضروب شتى([10]).
وهذا
يشير إلى أنها كانت أرضًا متروكة، حتى لم يبق من النخيل
إلا أصوله.
ثانيًا:
عن ابن سيرين قال: أقطع رسول الله رجلاً من الأنصار يقال
له سليط، فانطلق إلى رسول الله فقال: يا رسول الله، إن هذه
الأرض التي أقطعتنيها شغلتني عنك، فاقبلها مني، فلا حاجة
لي في شيء يشغلني عنك.
فقبلها
النبي (صلى الله عليه وآله) منه، فقال الزبير: يا رسول
الله، اقطعنيها.
قال:
فأقطعها أياه([11])،
فهو
قد اشتغل في إحيائها، واهتم بها حتى أشغلته عنه، ثم انصرف
عنها، واستقال منها، فأعطاها (صلى الله عليه وآله) لغيره.
ثالثًا:
إن ذلك يفسر لنا قولهم: إنه (صلى الله عليه وآله) قد أعطى
بني عقيل العقيق ما أقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وسمعوا
وأطاعوا([12]).
والعقيق:
موضع فيه قرى ونخل كثير([13]).
فإن من
الجائز أن يكون المقصود بالنخل هو: أصولها، أو أنها مما
تركه أهله، لم يكن لها من يهتم بها.
وربما يكون
بنو عقيل هم الأقرب إليها، أو الأقدر على إحيائها من
غيرهم.
لا حق لمسلم في الأراضي المعطاة:
إنه لا شك
في أن الأرض التي كان يقطعها النبي (صلى الله عليه وآله)
لم يكن فيها أي حق لأحد من المسلمين، وقد صرح بهذا الأمر
في الكتاب الذي كتبه لبلال بن الحارث بالأرض التي أقطعه
إياها، حيث قال: (ولم يعطه حقّ مسلم)([14]).
وكذا في
كتابه (صلى الله عليه وآله) لبني عقيل([15]).
انتهى المقال
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1]-
راجع: الكافي ج5 ص28 ومن لا يحضره الفقيه ج3 ص151؛
والوسائل (ط الإسلامية) ج17 ص328 والإستبصار ج3
ص107 : وتهذيب الأحكام ج7 ص151 والمقنع ص132.
[2]-
راجع: الكافي ج5 ص279 والوسائل (ط الإسلامية) ج17
ص326؛ والإستبصار ج3 ص108؛ وتهذيب الأحكام ج7
ص152؛ وترتيب مسند الشافعي ج2 ص133؛ والأم للشافعي
ج3 ص264 و 268؛ وكنز العمال ج3 ص512 و 513 و 516 و
517؛ والأموال لأبي عبيد ص386؛ والسنن الكبرى
للبيهقي ج6 ص142 و 143؛ وإرشاد الساري ج4 ص184؛
والخراج للقرشي ص82 و 84؛ ومستدرك الوسائل ج2
ص149؛ وشرح الموطأ للزرقاني ج4 ص424 و425؛ ومجمع
الزوائد ج4 ص157؛ ونصب الراية للزيلعي ج4 ص290؛
وجامع أحاديث الشيعة وغير ذلك.
[3]- راجع: مصباح الفقاهة، كتاب الخمس.
[4]- راجع: البحار ج19 ص112.
[5]- راجع: فتوح البلدان للبلاذري ص12.
[6]- معجم البلدان ج5 ص86.
[7]- عن السيرة الحلبية ج2 ص94.
[8]-
راجع: الأموال ص394؛ ومكاتيب الرسول ج1 ص329 عن:
فتوح البلدان ص31؛ والبخاري ج4 ص116 في فرض الخمس،
باب ما يعطي النبي المؤلفة قلوبهم، ومسند أحمد ج6
ص347؛ وفتح الباري ج6 ص181؛ والخراج لأبي يوسف
ص66؛ والنهاية لابن الأثير في مادة: قطع. وراجع
أصول مالكيت ج2 ص111؛ والمصنف لابن أبي شيبة ج12
ص354؛ وصحيح البخاري ج4 ص116؛ وصحيح مسلم ج4
ص1716؛ والقواعد للشهيد ج1 ص 349؛ وحياة الصحابة
ج2 ص691 وراجع: ترتيب مسند الشافعي ج2 ص133؛
والكامل لابن عدي ج4 ص1386؛ والطبقات الكبرى ج3 ق2
ص72 .
[9]- معجم البلدان ج5 ص86؛ والطبقات الكبرى (ط ليدن) ج3 ق1 ص72 .
[10]- وفاء الوفاء ج4 ص1154.
[11]-
راجع: الأموال لابن زنجويه ج2 ص613 و 614 وراجع
ص627؛ والأموال لأبي عبيد ص394.
[12]- سبل الهدى والرشاد ج6 ص384؛ ومكاتيب الرسول ج3 ص503 عن: الطبقات
الكبرى ج1 ص302 وفي (ط ليدن) ج1 ق2 ص45؛ والبداية
والنهاية ج5 ص90؛ ورسالات نبوية ص148؛ ونشأة
الدولة الإسلامية ص365؛ ومدينة البلاغة ج2 ص294؛
والإصابة ج3 ص423 في ترجمة مطرف بن عبد الله بن
الأعلم. والوثائق السياسية ص312 و 216 عن الطبقات،
ورسالات نبوية، وقال: قابل معجم البلدان مادة
عقيق، وانظر اشبرنكر ج3 ص513.
[13]- مكاتيب الرسول ج3 ص503 عن معجم البلدان.
[14]-
المبسوط للشيخ الطوسي ج3 ص274 ونيل الأوطار ج4
ص309؛ والسنن الكبرى للبيهقي ج6 ص145 و 151؛
ورسالات نبوية ص101 و 102؛ ومسند أحمد ج2 ص306؛
وسنن أبي داود ج3 ص174؛ والأحكام السلطانية ج2
ص198؛ والنهاية في اللغة، مادة قدس.
[15]- راجع: مكاتيب الرسول ج3 ص503 عن المصادر التالية: الطبقات الكبرى
ج1 ص302 و (ط ليدن) ج1 ق2 ص45؛ والبداية والنهاية
ج5 ص90؛ ورسالات نبوية ص148؛ ونشأة الدولة
الإسلامية ص365؛ ومدينة البلاغة ج2 ص294؛ والإصابة
ج3 ص423 في ترجمة مطرف بن عبد الله بن الأعلم؛
والوثائق السياسية 312/216 عن الطبقات، ورسالات
نبوية، وقال: قابل معجم البلدان مادة عقيق وانظر
اشبرنكر ج3 ص513. أقول: الذي نجده في المعجم ذكره
عقيق اليمامة، وهو عقيق بني عقيل قال: فيه قرى
ونخل كثير، ويقال له: عقيق تمرة، ولم يذكر الإقطاع
والكتاب وراجع البداية والنهاية ج5 ص90.
|