شهادة من الثعالبي على تحريف نسخة البخاري!
قال في
تفسيره:3/448:
(أطبق أهل
التفسير أن هذه الآية مدنية نزلت في شأن التمثيل بحمزة
وغيره في يوم أحد، ووقع ذلك في صحيح البخاري وغيره، وقال
النبي(ص): لئن أظفرني الله بهم لأمثلنّ بثلاثين،
وفي كتاب النحاس وغيره بسبعين منهم، فقال الناس: إن ظفرنا
لنفعلن ولنفعلن، فنزلت هذه الآية، ثم عزم على النبي (ص) في
الصبر عن المجازاة بالتمثيل في القتلى. ويروى أنه (عليه
السلام) قال لأصحابه: أما أنا فأصبر كما أمرت فماذا
تصنعون؟ فقالوا نصبر يا رسول الله كما ندبنا الله ).
أقول:
في كلام الثعالبي أمران مهمان، أولهما، أن إطباق أهل
التفسير على نزول الآية وصدور النهي عن المُثلة في أحد، أي
السنة الثالثة للهجرة. والإطباق يشبه الإجماع، ويدل على
غلبة اتجاه تنزيه النبي (صلى الله عليه وآله) عند قدماء
مفسريهم.
وثانيهما، أن
البخاري قد روى ذلك في صحيحه، ولا نجده في صحيحه ولا في
باقي كتبه، فلا بد أن تكون نسخة الثعالبي مختلفة، وأن يتجه
الاتهام إلى النسخة التي بأيدينا، وأنهم أسقطوا منها ذلك
الحديث، أو حذفوه!
واتهموا النبي (صلى الله عليه وآله) بأنه لم يَسْقِ الماء
لمن قتلهم ومَثَّلَ بهم!!
قال ابن
حجر في فتح الباري:1/294: (واستشكل
القاضي عياض عدم سقيهم الماء للإجماع على أن من وجب عليه
القتل فاستسقى لا يمنع! وأجاب: بأن ذلك لم يقع عن أمر
النبي (ص)، ولا وقع منه نهي عن سقيهم. انتهى. وهو ضعيف
جدًا لأن النبي(ص) اطلع على ذلك، وسكوته كاف في ثبوت
الحكم). انتهى.
أقول:
كأن ابن حجر يوافق ابن تيمية في قوله عن كتاب الشفاء لعياض:
غلا هذا المغيربي!! ويقول لعياض: لا تغالِ في النبي
(صلى الله عليه وآله) فقد كان سمْل العيون بأمره وعلمه!!
(نقله عن ابن تيمية الشريف الدكتور محمود السيد صبيح في
كتابه أخطاء ابن تيمية في حق رسول الله وأهل بيته،
عن فهرس الفهارس:1/201 لعبد الحي كتاني).
أهل البيت (عليهم السلام) دافعوا عن النبي (صلى الله عليه
وآله) وكشفوا كذب الرواة!
روى الصدوق
(رحمه الله) في علل الشرائع:2/541، عن الإمام الباقر (عليه
السلام) قال: ( إن أول ما استحل الأمراء العذاب لكذبة
كذبها أنس بن مالك على رسول الله - صلى الله عليه وآله -
أنه سمَّر يد رجل إلى الحائط، ومن ثم استحل الأمراء
العذاب!!). انتهى.
وهذا يضع
يدنا على سبب من أسباب كذبهم على رسول الله (صلى الله عليه
وآله) عن عمدٍ وإصرار، لأجل تبرير ظلم الخليفة أو أحد
ولاته للمسلمين!
ويدلّنا على
أن جميع أحاديث هذا الباب موضوعة، ما في كتاب الأم للشافعي
من إنكار الإمام زين العابدين (عليه السلام) زعمهم أن رسول
الله (صلى الله عليه وآله) سَمَل عينَ أحد! ورواه
الشافعي أيضًا في مسنده ص315: (أخبرنا إبراهيم بن أبي
يحيى، عن جعفر، عن أبيه، عن علي بن الحسين قال: لا
والله ما سَمَل رسول الله (ص) عينًا، ولا زاد أهل اللقاح
على قطع أيديهم وأرجلهم ). انتهى.
ورواه
البيهقي في سننه:9/70،
وقال: (حديث أنس حديث ثابت صحيح، ومعه رواية ابن عمر،
وفيهما جميعًا أنه سمل أعينهم، فلا معنى لإنكار من أنكر،
والأحسن حمله على النسخ). انتهى. ومعناه أن البيهقي لم
يأخذ بشهادة الإمام زين العابدين (عليه السلام)، ورجح
شهادة أنس بن مالك وعبدالله بن عمر عليها!!
وتغافل عن
شهادة ابن عباس التي تنزّه النبي (صلى الله عليه وآله)،
والتي رواها الطبري في تاريخه:2/208: (عن ابن عباس
قال: إن الله عز وجل أنزل في ذلك من قول رسول الله (ص)
وقول أصحابه: وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به..
إلى آخر السورة، فعفا رسول الله (ص) وصبر ونهى عن
المثلة). انتهى.
وتغافل عن شهادة ابن عباس التي رواها ابن هشام في
سيرته:3/611، قال: (عن
ابن عباس، أن الله عز وجل أنزل في ذلك، من قول رسول الله
(ص) وقول أصحابه: وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم
به...الآية، فعفا رسول الله (ص) وصبر ونهى عن المثلة).
فلماذا يُصرّ علماء السلطة أتباع خلافة قريش، على اتهام
النبي (صلى الله عليه وآله) بالقسوة والظلم وانتهاك حقوق
الإنسان! ويردّون تأكيدات أهل البيت (عليهم السلام),
ويصرون على نزول آية العقوبة بعد ذنب النبي (صلى الله عليه
وآله) وتمثيله بالرعاة العرنيين.
ولماذا يردّون الأحاديث التي رووها هم التي تنصّ على أنها
نزلت في أحد مع أن فيها الصحيح عندهم! فإذا وجدت أحاديث
صحيحة متعارضة بعضها يطعن في النبي (صلى الله عليه وآله)
وبعضها ينزّهه، فلماذا يرجّحون اتهامه (صلى الله عليه
وآله)؟!
البخاري يصرّ على أن النبي (صلى الله عليه وآله) عصى ربه
قال
البخاري في:5/70:
(فأمر بهم فسمَّروا أعينهم وقطعوا أيديهم وأرجلهم وتُركوا
في ناحية الحرة حتى ماتوا على حالهم. قال قتادة بلغنا أن
النبي (ص) بعد ذلك كان يحثّ على الصدقة وينهى عن المثلة).
انتهى. هل معنى ذلك أن النبي (صلى الله عليه وآله) عصى
الله في سمل أعينهم والتمثيل بهم ثم تاب؟!
كما ينبغي الانتباه إلى عبارة (سرقوا
لقاحه) التي كرّروها في أحاديث الباب، فهل كانت الإبل
ملكًا شخصيًا للنبي (صلى الله عليه وآله)؟ وكأنه غضب لنفسه
ومثَّل بهم؟!
هذا غيض من فيض
في الختام، هذا باب واحد من عشرات الأبواب التي غصّت
بأحاديثها الصحاح والسنن والمسانيد مع الأسف! مثل كذبهم
عليه لتبرير النبيذ ومجالس الغناء! وكذبهم على النبي (صلى
الله عليه وآله) لرفع لعن من لعنهم! وكذبهم عليه لمدح
زعماء قريش! وكذبهم عليه (صلى الله عليه وآله) لذمّ أهل
بيته الطاهرين (عليهم السلام)! وكذبهم عليه لرد أوامره
التي تتعلق بأمور الدنيا لأنهم أخبر منه بها!
ترى ألا يستحق هذا النوع من الموضوعات أن نسمّيها
بالقرشيات أسوة بالإسرائيليات!!
انتهى المقال
|