العدد التاسع / 2007م  / 1428هـ

       رجوع     أرشيف المجلة     الرئيسية

 

حقيقة الدعاء

الشيخ أحمد صمادي*

 

الدعاء لغة: النداء، تقول دعوت فلانًا، إذا ناديته، ومنه قوله تعالى: {لا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضاً}(1).

 وفي الاصطلاح: طلب الأدنى للفعل من الأعلى على جهة الخضوع والاستكانة(2).

ودعاء العبدِ ربَّه: هو الرغبة فيما عنده من الخير، والابتهال إليه بسؤال حوائج الدنيا والآخرة، وطلب الرحمة والفيض، وتهيئة الأسباب والعوامل الخارجة عن دائرة قدرة الداعي من الله عز وجل الذي بيده مقاليد الأمور.

والذي يوضّح ويبيّن حقيقة الدعاء ما أطلق عليه في القرآن وفي كلمات النبي وأهل بيته صلوات الله عليهم من أوصاف، فالمستفاد منها أنه: سلاح المؤمن، وشفاء كل داء، ومفتاح الحاجات، ووسيلة الرغبات، وأنه باب فتحه الله لعباده للعبور من خلاله إلى خزائن رحمته، حتى في أقل الأمور وأحقرها، فقد ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله): (سلوا الله عز وجل ما بدا لكم من حوائجكم، حتى شسع النّعل فإنه إن لم ييسّره لم يتيسّر)(3).

 بل هو من أقوى الأسباب التي تدفع البلاء وتردّ القضاء وقد أبرم إبرامًا، وهو تكريم من قِبل الله تعالى لعباده، حيث أذن لهم في دعائه، وسمح لهم بمخاطبته ومناجاته، رحمة بهم، فضمن لهم الإجابة قائلاً {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}، وقال سبحانه: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}(4) وقال عز وجل: {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إذا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ}(5) وقال سبحانه: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ}(6).

ويكفي في أهميته وعظمته، وصفه بالعبادة، بل أفضلها، فعن الباقر (عليه السلام): (أفضل العبادة الدعاء)(7)، بل في النبويّ وصف الدعاء بمخ العبادة(8)، لأن العبودية تتجلّى في الدعاء بأروع صورها، وهذا ما يفسّر لنا كون الدعاء أفضل العبادة، وأنه مُخّها، فمحلّ الدعاء من العبادات - لا سيما الصلاة - محلّ المخّ واللبّ والجوهر، لأن الداعي الخاضع والخاشع لربه يُقابل المُستكبر والمُستغني عن الدعاء كما أشارت إليه الآية الكريمة {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}(9)، حيث وصف تعالى المستغني عن الدعاء بأنه مستكبر ومستغن عن العبادة، مهدّدًا بإدخاله جهنم صاغرًا ذليلاً.

ويؤكد ذلك ما رواه الكليني عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (سمعته يقول: ادع، ولا تَقلْ قد فرغ من الأمر، فإن الدعاء هو العبادة، إن الله عز وجل يقول: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ})(10).

والسرّ في ذلك أن الدعاء يشترك مع العبادة في حقيقة واحدة، هي إظهار الخشوع والخضوع، واتصال الإنسان من خلالهما بخالقه جلّ وعلا، وفي كليهما يعترف العبد بالافتقار إلى ربه، وكما أن العبادة تسمو بنفس العبد وتصله بربه، فكذا الدعاء حيث تَعرُج روح الداعي لتتصل بخالقها وربّها، كما ويؤكد الدعاء على افتقار العبد وحاجته إلى مولاه وعدم استغنائه عنه، وأن الله تعالى هو المنعم والرازق، وبيده الحياة والموت، والصحة والسلامة، والسلطان... فهو مالك كل شيء {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}(11).

آداب الدعاء

اهتمت الشرائع والأديان، لا سيما الإسلام، بالدعاء، وخصّصت لكل وقت من النهار والليل، ولكل يوم من أيام الأسبوع والشهر والسنة أدعية خاصة، بل لكل حال من الأحوال، ولكل فعل ومطلب من مطالب الدنيا والآخرة دعاءًا خاصًا، وجعلت للدعاء شروطًا وآدابًا تُساعد على استجابة الدعاء.

فمن تلك الآداب

1- الطهارة لقول الصادق (عليه السلام): (يا مَسمع، ما يمنع أحدكم إذا دخل عليه غمّ من غموم الدنيا، أن يتوضأ ثم يدخل مسجده، فيركع ركعتين، فيدعو الله فيهما)(12).

2- الشروع بالبسملة، لقوله (صلى الله عليه وآله): (لا يُردّ دعاء أوّله بسم الله الرحمن الرحيم)(13).

 3 - افتتاح الدعاء وختمه بالصلاة على النبي وآله. لقول أمير المؤمنين (عليه السلام): (كل دعاء محجوب عن السماء حتى يُصلّى على محمد وآله)(14).

وروي عن أبي عبد الله (عليه السلام): (لا يزال الدعاء محجوبًا حتى يصلي على محمد وآل محمد)(15).

 وعنه (عليه السلام): (من دعا ولم يذكر النبي صلى الله عليه وآله رفرف الدعاء على رأسه، فإذا ذكر النبي صلى الله عليه وآله رُفع الدعاء)(16).

وعنه (عليه السلام): (من كانت له إلى الله عز وجل حاجة، فليبدأ بالصلاة على محمد وآله، ثم يسأل حاجته، ثم يختم بالصلاة على محمد وآل محمد، فإنّ الله عز وجل أكرم من أن يقبل الطرفين ويدع الوسط)(17).

ولذا نجد الإمام السجاد (عليه السلام) قد جعل الصلاة على النبي وآله مفتاحًا لأدعيته في الصحيفة السجادية، بل في بعضها جعل الصلاة في أول الدعاء وفي آخره وفي وسطه، كالنبوي الشريف الذي جاء فيه: (لا تجعلوني كقدح الراكب، فإن الراكب يملأ قدحه فيشربه إذا شاء , اجعلوني في أول الدعاء وفي آخره وفي وسطه)(18). أي إن الراكب لا يذكر الماء إلا إذا عطش واضطر إليه، فيلتفت إليه ويشرب منه، وأما في سائر الأوقات فهو غافل عنه.

4- التحميد والثناء على الله تعالى قبل الدعاء، لقول أبي عبد الله (عليه السلام): (إذا طلب أحدكم الحاجة، فليُثنِ على ربه وليمدحه، فإن الرجل إذا طلب الحاجة من السلطان، هيّأ له من الكلام أحسن ما يقدر عليه، فإذا طلبتم الحاجة فمجّدوا الله العزيز الجبّار وامدحوه وأثنوا عليه)(19).

وينبغي الثناء على الله تعالى بأسمائه الحسنى، لقوله سبحانه وتعالى: {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}(20) بل ينبغي للداعي أن يختار ما يناسب مطلوبه فإذا كان يطلب الرزق فيختار: يا رازق يا واهب يا جواد يا منعم يا معطي... وإذا كان يرجو المغفرة فيقول: يا غفار يا تواب يا رؤوف يا عطوف... وهكذا.

وفي بعض الروايات: يُجزي من الثناء: اللهم أنت الأول، فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، وأنت العزيز الحكيم)(21).

5- التعميم في الدعاء، لقول الصادق (عليه السلام): (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (إذا دعا أحدكم فليعمّ، فإنه أوجب للدعاء)(22).

بل في بعض الروايات التحديد بأربعين رجلاً، قال عمر بن يزيد: سمعت الصادق (عليه السلام) يقول: (من قدّم أربعين رجلاً من إخوانه قبل أن يدعو لنفسه، استجيب له فيهم وفي نفسه)(23).

6- تسمية و بثّ الحوائج إلى الله تعالى، فإن الله تعالى يعلم حاجة العبد وما يريد، بل هو أقرب إليه من حبل الوريد، ولكنه سبحانه يُحبّ أن تُبَث إليه الحوائج وتُسمّى بين يديه تعالى، فعن الإمام الصادق (عليه السلام): ( إن الله تبارك وتعالى يعلم ما يريد العبد إذا دعاه، لكنه يُحِب أن تُبثّ إليه الحوائج، فإذا دعوت فسم حاجتك).

وفي آخر عنه (عليه السلام) قال: (إن الله عز وجل يعلم حاجتك وما تريد، ولكن يُحب أن تبثّ إليه الحوائج)(24).

7- التوسل بالنبي وآله، لقول النبي (صلى الله عليه وآله) بحق الأئمة (عليهم السلام): "وبهم يستجاب الدعاء"(25)، وقد عقد السيد البروجردي في جامع أحاديث الشيعة بابًا خاصًا في أن من توسّل إلى الله تبارك وتعالى بمحمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين استجاب له وذكر عدة روايات(26).

8- إقبال الداعي على ربه بقلبه حال الدعاء، لقول الصادق (عليه السلام): (إن الله عز وجل لا يستجيب دعاءًا بظهر قلب ساه، فإذا دعوت فأقبل بقلبك ثم استيقن بالإجابة)(27).

9- تقديم الصدقة قبل الدعاء، لقول الصادق (عليه السلام): (كان أبي إذا طلب الحاجة، طلبها عند زوال الشمس، فإذا أراد ذلك قدّم شيئًا فتصدّق به)(28).

10- التضرّع ورفع اليدين حال الدعاء، لقول النبي (صلى الله عليه وآله): (إن الله ليستحي من العبد أن يرفع إليه يديه فيردّهما خائبتين)(29)، وبه فسّرت آية: {فمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ}(30)، وقد سئل الرضا (عليه السلام) عن سبب رفع اليدين في الدعاء فقال: (التضرّع هو رفع اليدين لأن رفع اليدين يدلّ على حال الاستكانة، وعلامة العبودية والتذلّل لله تعالى)(31).

11- الإسرار بالدعاء لقوله تعالى: {ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً}(32).

وعن الرضا (عليه السلام): (دعوة تُخفيها أفضل عند الله من سبعين دعوة تظهرها)(33).

12- تعجيل الدعاء في وقت الرخاء: فإن الناس على مختلف مشاربهم ومذاهبهم، حتى المشرك والوثني، تجده وبدافع فطري متأصل في وجوده، يتوجّه إلى الله تعالى بمجرد أن يحس بضًر أو شدة أو محنة أو مصيبة وبلاء ولا يجد من يُنجيه، ينقطع إلى ربه وخالقه، فإذا نجّاه تعالى وأذاقه من رحمته نسي وأعرض ونأى بجانبه وكأنّ شيئًا لم يحصل معه كما تشير الآيات القرآنية:

التي منها قوله تعالى: {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاء عَرِيضٍ}(34).

وقوله عز وجل: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إلى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُوراً}(35).

وقوله سبحانه: {وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إلى ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}(36).

و قوله جل وعلا: {وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إذا أَذَاقَهُم مِّنْهُ رَحْمَةً إذا فَرِيقٌ مِّنْهُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ}(37).

يتبع =

________________

الهوامش:

* مبلّغ ديني ومدرّس في الحوزة العلمية.

1-      سورة النور: 63.

2 - عدة الداعي لابن فهد الحلي /9/مكتبة وجداني / قم/ بتصرف.

3 - مكارم الأخلاق 270 / نشر مكتبة الشريف الرضي قم ط6.

4 - سورة غافر، من الآية60، وسورة البقرة:186.

5- سورة النمل: 62.

6- سورة الفرقان: 77.

7- وسائل الشيعة 7/ 30 ح1 مؤسسة آل البيت قم باب اختيار الدعاء على غيره...

8- المصدر السابق : 7/ 27 ح9 باب استحباب الإكثار من الدعاء.

9- سورة غافر:60.

10- الكافي2/ 467 ح4 دار الكتب الإسلامية طهران ط4 تحقيق الغفاري.

11- سورة فاطر:15.

12- مستدرك الوسائل6/ 319 مؤسسة آل البيت/ بيروت1/6903 نقلا عن تفسير العياشي.

13- المصدر السابق : 5/ 304.

14- وسائل الشيعة 7/ 96ح16/8838.

15- الكافي 2/ 491 باب الصلاة على النبي وأهل بيته ح1.

16- المصدر السابق، نفس الباب، ح2.

17- المصدر السابق، نفس الباب، ح216.

18- المصدر السابق : 2/ 492.

19- المصدر السابق : 2/ 485 باب الثناء قبل الدعاء ح6.

20- سورة الأعراف: 180.

21- الكافي 2/ 503/ باب التحميد والتمجيد /ح6.

22- الكافي 2/4487/ باب العموم في الدعاء/ ح1.

23- وسائل الشيعة 7/ /118 ح3/8896.

24- الكافي 2/ 476 ح1 / باب الأوقات والحالات التي ترجى فيها الإجابة.

25- آمالي الشيخ الطوسي 441 / نشر دار الثقافة للطباعة والنشر قم1414 ).

26- جامع أحاديث الشيعة 15 / 244 / باب 11 مطبعة مهر قم 1409.

27-الكافي 2/ 473 باب الإقبال على الدعاء ح1.

28-الكافي 2 / 478 ح7 باب الأوقات والحالات التي ترجى فيها الإجابة.

29- بحار 90/ 365 ح11.

30- سورة المؤمنون: 76.

31- وسائل الشيعة 7/ 48 ح6/8684.

32- سورة الأعراف: 55.

33- الكافي 2/ 476 باب إخفاء الدعاء ح1.

34- سورة فصلت: 51.

35 - سورة الإسراء: 67.

36- سورة يونس: 12.

37- سورة الروم: 33.

 

أعلى الصفحة     محتويات العدد التاسع