فلذا من
الآداب أن يتذكر الإنسان ربه ويدعوه في حال الرّخاء حتى
يتعرّف عليه في حال الشدّة بل إننا محتاجون إلى رحمته
سبحانه في كل الأحوال والأوقات والاقتصار على الدعاء في
حال الشّدة يحرمنا من تلك الرحمة وذلك الفضل.
فعن النبي
(صلى الله عليه وآله)، في وصيته للفضل بن العباس: (تعرّف
إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة)(38).
وعن أبي
جعفر (عليه السلام) أنه كان يقول: (ينبغي للمؤمن أن يكون
دعاؤه في الرخاء نحوًا من دعائه في الشدة ليس إذا أعطي
فَتَر)(39).
13- الدعاء
عند استشعار رقة القلب وحصول الإخلاص والخوف من الله تعالى
لقول الصادق (عليه السلام): (إذا رقّ أحدكم فليدعُ فإن
القلب لا يرق حتى يخلص)(40).
14- تكرار
الدعاء وعدم القنوط من عدم الإجابة لقول الصادق (عليه
السلام): (لا يزال المؤمن بخير ورجاء رحمة من الله عز وجل
ما لم يستعجل فيقنط ويترك الدعاء)(41).
15-
الاجتماع في الدعاء: لقول الصادق (عليه السلام): ( كان أبي
عليه السلام إذا أحزبه أمر(42) - وفي بعض
الروايات أحزنه أمر(43)- جمع النساء والصبيان
ثم دعا، وأمنّوا).
وفي بعض
الروايات عن الصادق (عليه السلام): (ما اجتمع أربعة قط على
أمر فدعوا الله تعالى إلا تفرقوا عن إجابة)، بل في بعضها
عنه (عليه السلام) كون عدد المجتمعين للدعاء أربعين أو
يكرر الدعاء أربعين مرة(44).
16- التنزّه
عن الحرام: لما روي من أن موسى (عليه السلام) رأى رجلاً
يتضرع إلى الله تعالى تضرعًا عظيمًا ويدعو رافعًا يديه
ويبتهل فأوحى إليه الله تعالى: لو فعل كذا وكذا لما استجيب
دعاؤه، لأن في بطنه حرامًا(45).
17- ختم
الدعاء بقول: ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله لما
روي عن أبي عبد الله (عليه السلام): (ما من رجل دعا فختم
دعاءه بقول: ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله إلا
أجيبت حاجته(46).
18- مسح
الوجه والرأس بعد الدعاء: لما روي عن الصادق (عليه السلام)
قال: ما أبرز عبد يده إلى الله العزيز الجبار عز وجل إلا
استحيا الله عز اسمه أن يردها صفرًا حتى يجعل فيها من فضل
رحمته ما يشاء، فإذا دعا أحدكم فلا يرد يده حتى يمسح على
رأسه ووجهه(47).
وفي حديث
الدعاء: فإذا فرغ من الدعاء مسح وجهه بيديه وفيه إشارة إلى
أن كفيه ملئتا من البركات السماوية والأنوار الإلهية فهو
يفيض منها على وجهه الذي هو أشرف الأعضاء(48).
موانع
استجابة الدعاء
قد يدعو
الإنسان ليل نهار ولا يُستجاب له لوجود ما يحبس الدعاء
ويحجبه فلا بد من إزالة الموانع التي تحبس الدعاء، وقد
ذكرت الروايات الشريفة المنقولة عن النبي وأهل بيته جملة
من تلك الحواجب تندرج تحت معصية الله و الجرأة عليه
ومخالفة أوامره تعالى، ففي الحديث المروي عن الصادق (عليه
السلام): (... أما إنكم لو أطعتموه فيما أمر به، ثم
دعوتموه لأجابكم، ولكن تخالفونه وتعصونه فلا يجيبكم)(49).
وقد أشار
الإمام علي (عليه السلام) في دعاء كميل إلى هذه الموانع
التي تردّ الدعاء حيث قال (عليه السلام): (اللهم اغفر لي
الذنوب التي تحبس الدعاء) وفصّلها الإمام السجاد (عليه
السلام) في حديث طويل بيّن فيه آثار الذنوب فقال: (...
والذنوب التي ترد الدعاء: 1- سوء النية، 2 - وخبث السريرة،
3- والنفاق مع الإخوان، 4- وترك التصديق بالإجابة، 5 -
وتأخير الصلوات المفروضات حتى تذهب أوقاتها، 6- وترك
التقرب إلى الله عز وجل بالبر والصدقة، 7- واستعمال البذاء
والفحش في القول)(50).
وقد نصَّت
بعض الروايات على ذنوب أخرى.
8- منها أكل
الحرام، فعن النبي (صلى الله عليه وآله): (من أحبّ أن
يُستجاب دعاؤه فليطيّب مطعمه ومكسبه)(51).
وعنه (صلى
الله عليه وآله) في جواب من قال له: أحب أن يُستجاب دعائي
قال (صلى الله عليه وآله): (طهّر مأكلك ولا تُدخل بطنك
الحرام)(52).
وفي الحديث
القدسي: (فمنك الدعاء وعليّ الإجابة فلا تُحجب عني دعوة
إلا دعوة آكل الحرام)(53).
9- ومنها
عقوق الوالدين، فعن الصادق (عليه السلام): (والتي ترد
الدعاء وتُظلم الهواء عقوق الوالدين)(54).
10- ومنها
قطيعة الرحم، روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال:
(قطيعة الرحم تحجب الدعاء)(55).
11- ومنها
ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال محمد عمر بن
عرفة: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول: (لتأمرنّ
بالمعروف ولتنهن عن المنكر أو ليستعملن عليكم شراركم فيدعو
خياركم فلا يستجاب لهم)(56).
ومنها من
يقتني في بيته: 12- خمرًا، 13- أو دفًّا، 14- أو طنبورًا،
15- أو نردًا: لما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله): (لا
تدخل الملائكة بيتًا فيه خمر أو دف أو طنبور أو نرد، ولا
يُستجاب دعاؤهم، وترفع عنهم البركة)(57).
وهناك جماعة
لا يستجاب دعاؤهم وهم: 16- العريف الشاعر الذي ينشد
بالباطل، 17- والعشّار، 18- والشرطي، 19- و صاحب العرطبة،
20- وصاحب الكوبة لما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام)،
قال: (يا نوف، إياك أن تكون عشّارًا أو شاعرًا(58)
أو شرطيا(59) أو عريفًا(60) أو صاحب
عرطبة وهي الطنبور، أو صاحب كوبة وهو الطبل(61)،
فإن نبي الله خرج ذات ليلة فنظر إلى السماء، فقال: أما
إنها الساعة التي لا ترد فيها دعوة إلا دعوة عريف، أو دعوة
شاعر، أو دعوة عاشر أو شرطي، أو صاحب عرطبة، أو صاحب كوبة(62).
21- ومنها المظلوم الذي تحمَّل ظلم غيره، روي عن الصادق
(عليه السلام): (قال الله عز وجل: وعزتي وجلالي لا أجيب
دعوة مظلوم دعاني في مظلمة ظلمها، ولأحد عنده مثل تلك
المظلمة)(63)، بل روي عن الصادق (عليه السلام)
أن متحمِّل مظالم المخلوقين مردود الدعوة(64).
.
يتبع =
________________
الهوامش:
39-
المصدر السابق 7/ 61ح1/8726.
40-
المصدر السابق 7/ 72 ح1، وقد عقد في الوسائل بابا
لذلك (استحباب الدعاء عند رقة القلب 7/ 72 ).
41-
المصدر السابق 7/ 55ح3/8708.
42-
الدعوات للراوندي 29/ نشر مدرسة الإمام المهدي قم
ط1 قم.
43-
مكارم الأخلاق 274 الفصل الأول في فضل الدعاء و
كيفيته منشورات الشريف الرضي ط6.
44-
عدة الداعي لابن فهد الحلي 145.
45-
الدعوات للراوندي 24/ منشورات مدرسة الإمام المهدي
قم ط1 قم.
46-
ثواب الأعمال للصدوق/ 9 منشورات الشريف الرضي قم.
47-
مكارم الأخلاق للطبرسي 269.
48-
مجمع البحرين لطريحي 4/ 199 مادة مسح.
49-
مستدرك الوسائل5/ 213.
50-
معاني الأخبار للشيخ الصدوق/ 217 /مؤسسة النشر
الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين قم ط1379هـ.
51-
عدة الداعي لابن فهد الحلي / 128 /باب في بيان
أقوام لا يستجاب دعاؤهم.
52-
نفس المصدر السابق.
53-
نفس المصدر السابق.
54-
الكافي 2/ 448 باب في تفسير الذنوب ح1.
55-
مستدرك الوسائل15/ 185 ح 14/17954.
56-
الكافي 5/ 56 باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
ح3.
57-
مستدرك الوسائل6/ 319.
58-
حمل على الذي ينشد بالباطل.
59-
حمل على الذي يظلم المؤمنين في الدولة الظالمة.
60-
العريف هو: القيم بأمور القبيلة أو الجماعة من
الناس يلي أمورهم ويتعرّف الأمير من خلاله على
أحوالهم: لسان العرب 9/ 154 مادة عرف دار إحياء
التراث العربي.
61-
العرطبة هي الطنبور والعود وهي من آلات اللهو
فارسية معربة والكوبة هي الطبل وفسرتا بالعكس:
مجمع البحرين 3/ 158 / مادة عرطب مكتب نشر الثقافة
الإسلامية ط2.
62-
وسائل الشيعة مؤسسة آل البيت 17 / 315 / ح 122637
/2.
63-
وسائل الشيعة 7/ / 146ح1/8968.
64- مفتاح الجنات للسيد الأمين 1 / 11 / الأعلمي
بيروت.
|