العدد الثاني / 2005م  /1426هـ

     رجوع     محتويات العدد     أرشيف المجلة     الرئيسية

.

تتمة مقال = الاستنساخ

الجانب الفقهي:

فقد شغلت هذه القضية علماء الدين من مختلف الأديان وعقد بعضهم الندوات لتدارس المسألة وقام المهتمّون بالقضية بتوجيه الأسئلة المرتبطة بها.

رأي السنة:

حرّمه جلّ علمائهم، فقد أصدر مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر في 28/تموز/1997 فتوى حرّم فيها الاستنساخ بكل أنواعه على الإنسان دون غيره، وأكدوا على هذا التحريم في أول سنة 2003 بعد إعلان طائفة الرائيليين عن تولّد طفله مستنسخة، فأصدروا فتوى جاء فيها: [إن استنساخ الإنسان حرام ويجب التصدي له ومنعه بكل الوسائل]، وجاء في نص الفتوى الصادرة عن الأزهر: إن الاستنساخ «يعرض الإنسان الذي كرّمه الله لأن يكون مجالاً للعبث والتجربة وإيجاد أشكال مشوهة وممسوخة, وشدّدت الفتوى على أن "الإسلام لا يعارض العلم النافع بل يشجعه ويحث عليه ويكرم أهله، أما العلم الضار الذي لا نفع فيه أو الذي يغلب ضرره على نفعه فإن الإسلام يحرمه ليحمي البشر من أضراره].

كما أوضحت الفتوى أنه [يجب التفريق بين استخدام الهندسة الوراثية في النبات والحيوان لإنتاج سلالات قيّمة ونافعة وكذلك في علاج الأمراض ومحاصرة توارث الأمراض والارتقاء بالطب ومعالجة الإنسان].

وأصدر المجمع الفقهي الإسلامي([1])فتاوى بتحريمه، وتجريم فاعله، وذلك في دورته الخامسة عشرة، المنعقدة في رجب 1419هـ الواقع فيه 31 أكتوبر تشرين الأول 1998، وقالوا إن التحريم يأتي من وجوه عدة، وكرّروا بعض ما ذكرناه من المحاذير الأخلاقية.

بل إن الدكتور نصر فريد واصل، مفتي الديار المصرية، ادعى قيام الإجماع على أن الاستنساخ البشري غير جائز من الناحية العلمية والطبية والإنسانية، بل ومن الناحية الأخلاقية والاجتماعية وأكد أن الإسلام مع العلم الذي يخدم البشرية.

واستدل بعضهم بآية: {فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُّبِيناً}([2]).

 بحجة ان في الاستنساخ تغييرًا لخلق الله لأنه يعتمد التلاعب بالجينات الوراثية من اجل الوصول إلى المنسوخ المشابه وهو من عمل الشيطان

رأي المسيحيين:

أصدر الفاتيكان بيانًا رسميًا حرّم فيه الاستنساخ بشكل مطلق، ومما جاء فيه: إن الإعلان عن ولادة طفل مستنسخ يعكس عقلية قاسية خالية من أي اعتبار أخلاقي وإنساني.

وأشار المتحدث باسم الفاتيكان إلى أن الإعلان يفتقد أي دليل ويثير الريبة والإدانة لدى قسم كبير من المجتمع العلمي الدولي.

ويعارض الفاتيكان تقليديًا أي شكل من أشكال الاستنساخ سواء أكان لأغراض علاجية أو بهدف التكاثر.

وقال بعضهم في مقام توجيهه للتحريم: رأيي هو التحريم لأن تولد الإنسان يجب أن يكون نتيجة ثمرة حبّ وعهد، ولهذا نحرم حتى طفل الأنبوب لأنه ليس نتيجة عهد وحب، بالإضافة إلى أن من مميزات البشرية اختلاف خصائصها([3]).

رأي الشيعة:

وقد حرّمه من علمائنا سماحة المرجع الميرزا جواد التبريزي، فقد نص في جوابه عن حكم الاستنساخ: إن الاستنساخ غير جائز لأنه يوجب اختلاط الأنساب بحيث يوجب اختلال النظام([4]).

وقد أكد ذلك في صراط النجاة مبينًا أسباب اختلال النظام فقال: لا يجوز ذلك العمل، لأن التمايز والاختلاف بين أبناء البشر ضرورة للمجتمعات الإنسانية، اقتضتها حكمة الله سبحانه، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ..}([5]) {وقال تعالى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُو}([6]) وذلك كله لتوقف النظام العام عليه، بينما (الاستنساخ البشري) -إضافة إلى استلزامه محرمات أخرى كمباشرة غير المماثل، والنظر إلى العورة- يوجب اختلال النظام، وحصول الهرج والفوضى، ففي النكاح يختلط الأمر بين الزوجة والأجنبية، وبين المحرم وغير المحرم، وفي المعاملات كافّة، لا يمكن تميّز طرفيها، فلا يعرف الموجب من القابل، وفي القضاء والشهادات لا يمكن تميّز المدعي من المدعى عليه، وهما عن الشهود، والملاك عن غير الملاك، وهكذا في المدارس، والمشاغل، والإدارات، والامتحانات، حيث يسهل إرسال (النسخ) بدل الأصل، (أو النسخة الأخرى) فتذهب الحقوق وفي الأنساب والموارث حيث لا يتميز الولد عن الأجنبي، إضافة إلى كون (النسخة) لا يعد ولدًا شرعيًا، فتضيع الأنساب والمواريث، وهذا غيض من فيض، وعليه فقس سائر الأمور، حيث لا يبقى نظام ولا مجتمع، والله العالم([7]).

إلا أن أكثر مراجعنا جوّزوا الاستنساخ في نفسه وبحدّ ذاته وبغض النظر عما قد يقارنه من عناوين ثانوية محرمة، نكتفي منه برأي السيد السيستاني والسيد الحكيم:

يتبع = 

ـــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) التابع لرابطة العالم الإسلامي ومقرها مكة المكرمة.

([2]) سورة النساء الآية 119.

([3]) الأب جورج خضر في مقابلة تلفزيونية.

([4]) استفتاء صدر عن مكتبه بتاريخ 17-4-2003 تحت رقم 6851.

([5]) الروم من الآية 22.

([6]) الحجرات من الآية 13.

([7]) صراط النجاة جزء 3 مسالة 1169.

 

أعلى الصفحة     محتويات العدد الأول     أرشيف المجلة     الرئيسية