العدد الثاني / 2005م  /1426هـ

     رجوع     محتويات العدد     أرشيف المجلة     الرئيسية

.

تتمة مقال = التقويم العبري

نظام الكبس في التقويم العبري:

كان عيد الفصح أهم أعياد اليهود، ويحتفلون به في اليوم الخامس عشر من نيسان محسوبًا من رؤية الهلال، وتسبب الالتزام بالاحتفال بهذا العيد إدخال الكبس في سنتهم القمرية لكي يحافظوا عليه دائمًا في الربيع، إذ كان مفروضًا عليهم في اليوم التالي لعيد الفصح (16 نيسان) أن يقدّموا في الهيكل قربانًا لله شكرًا على نضج أول حصادهم، وكان هذا القربان سنبلة من الشعير، وكانوا يفحصون الشعير قبل الميعاد المحدد لتقديم القربان، فإذا اتضح أنه غير تام النضج أدركوا أن الاعتدال الربيعي لم يأت بعد للفرق بين سنتهم القمرية والسنة الشمسية، وإذ ذاك كانوا يؤجّلون الاحتفال بعيد الفصح إلى الشهر التالي ويجعلون هذه السنة ثلاثة عشر شهرًا بإضافة شهر إلى آخر السنة، ويبدأون السنة الدينية بمولد الهلال التالي.

وقد اقتضى هذا النظام إضافة شهر كل ثلاث سنوات، فتكون السنة ذات ثلاثة عشر شهرًا.

لم يكن أحبار اليهود على علم بحركات الأرض والأجرام السماوية ولا بمبادئ الفلك، ولكنهم بمرور الأيام واختلاطهم بالبابليين والفرس أحاطوا علمًا بها وعرفوا دورة ميتون للتوفيق بين السنة الشمسية والشهور القمرية.

في سنة 358 ميلادية عدَّل الحبر الأكبر هيلل الثاني التقويم العبري، ووضع قواعده ونظامه على النحو المتّبع إلى الآن في تصميم النتيجة العبرية، وهو مبني على حساب دقيق وحرص على تنفيذ أوامر التوراة.

ومن هذا يتضح ما يلي:

1.     أن العمل بالتقويم العبري معمول به منذ أيام سيدنا موسى(عليه السلام)(حوالى عام1500 قبل الميلاد)، أي منذ أكثر من 3500 سنة.

2.     أن يوم الخروج من مصر تمّ في فصل الربيع، وأن اليهود يحتفلون بهذا العيد دائمًا في اليوم الخامس عشر من الشهر القمري الذي يظهر هلاله بعد الاعتدال الربيع (أي بعد 21 آذار / مارس).

3.     أن غرق فرعون في اليوم الحادي والعشرين من نيسان عبري، وهو اليوم السابع من أيام الفطير.

4.     أن صوم الكبورkippur أو عاشوراء ashura أو الكفارة atonemement وهو ذكرى عودة النبي موسى(عليه السلام)من سيناء بعد أن استرضى ربه على بني إسرائيل فعفا عنهم لعبادتهم العجل، وهو يصادف دائمًا في فصل الخريف.

5.     ويعتبر هذا اليوم سبتًا أي يوم راحة محرم فيه العمل، والصوم فيه إجباري، وعاشوراء هو اليوم الوحيد الذي أمر النبي موسى(عليه السلام) بصومه.

6.     أنه يلزم أن نلاحظ أن يوم عاشوراء لدى اليهود هو اليوم العاشر من الشهر الأول(تشري) من السنة المدنية العبرية وهي سنة شمسية قمرية أي إن أوائل شهورها مرتبط بظهور القمر كالشهور العربية.

الهجرة النبوية الشريفة وعاشوراء اليهود:

روى الحافظ ناصر الدين عن ابن عباس:

ن رسول الله(صلى الله عليه وآله)قدم المدينة يوم عاشوراء، فإذا اليهود صيام، فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله):ما هذا؟ قالوا: هذا يوم أغرق الله تعالى فيه فرعون ونجّى فيه موسى(عليه السلام)، فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله)أنا أولى بموسى فأمر رسول الله(صلى الله عليه وآله)بصومه) أخرجه البخاري ومسلم.

وقد علّق العلامة البيروني على ذلك:

(وقول اليهود إن الله أغرق فرعون فيه غير صحيح، فقد نطقت التوراة بخلافه، وقد كان غرقه في اليوم الحادي والعشرين من نيسان عبري (بعد سبعة أيام من عيد الفصح)، وهو اليوم السابع من أيام الفطير، وكان أول فصح اليهود بعد قدوم النبي(عليه السلام) يوم الثلاثاء الثاني والعشرين من آذار سنة 934 للإسكندر، ووافقه اليوم السابع عشر من شهر رمضان (الموافق لـ15 نيسان عبري)، واليوم الذي أغرق الله فيه فرعون كان اليوم الثالث والعشرين من شهر رمضان، فإذًا ليس لما ورد وجه البتة بخصوص قول اليهود أنه يوم غرق فرعون وذلك بمقارنة هذه الرواية بما ورد في التوراة) .

صوم عاشوراء في الإسلام:

دخل النبي(صلى الله عليه وآله)المدينة في النصف الأول من ربيع الأول من السنة الأولى للهجرة (النصف الثاني من أيلول / سبتمبر سنة 622 ميلادي )، وصادف في تلك الفترة عيدًا (يوم الكبّور ويصادف يوم 10 تشري من عام 4383 عبري وهو يوم صوم إجباري لدى اليهود )، حيث تقول بعض الراويات إن النبي(صلى الله عليه وآله) دخل يثرب فوجد اليهود صائمين فاستفسر عن ذلك، فقيل إنه يوم الخروج من مصر والنجاة من فرعون، فأمر بصيامه وقال: أنا أحق بموسى من بني يهود.

مما سبق تبين أن 10 تشري من السنة التي دخل فيها النبي يثرب يطابق مضي عشرة أيام تقريبًا من رؤية هلال ربيع الأول (حسب التقويم العبري)، وهو اليوم الواجب الصيام حسب الرواية، وليس بعد مضي 10 أيام من رؤية هلال محرم، أي إن 10 تشري (عاشوراء اليهود) طابق في تلك السنة 10 ربيع الأول وليس 10 محرم.

 والسؤال: ما الذي يدعو بني يهود إلى قول لا يطابق التوراة؟ وما الذي يدعوهم لتغيير الحقيقة المسجّلة في كتبهم؟ مع أنهم أصحاب ديانة يفخرون بها على العرب آنذاك، أضف إلى أنهم كانوا آنذاك أصحاب نفوذ ومنعة ومحترمين في الجزيرة وفي يثرب ولم يكونوا قد اصطدموا بعد بالمسلمين.

 أليس هذا الإدّعاء منهم يهزّ صورتهم أمام الناس الذين جاوروهم وعرفوا مظاهر ديانتهم ومنها المناسبات الدينية!!

ثمَّ إن النبي(صلى الله عليه وآله)معصوم ومسدّد بالوحي، فكيف يُصدر أمرًا عباديًا واجب الطاعة بناءً على خلفية غير صادقة؟

لا بد من التساؤل عن الصلة بين هذه الرواية وبين الذكرى الأولى لشهادة الإمام الحسين(عليه السلام)عام 62 هجري التي صادف فيها عاشوراء اليهود مع عاشوراء الإسلام.

يتبع=

أعلى الصفحة     محتويات العدد الأول     أرشيف المجلة     الرئيسية